والجواب القياس أن لا يضمن منافع البضع بالإتلاف الحقيقي؛ لأن ما ليس بمال لا يضمن بالمال بقضية القياس وإنما وجب المال ثمة شرعاً تعظيماً لأمر البضع، والنص الوارد في الإتلاف الحقيقي بخلاف القياس لا يكون وارداً في الإتلاف الحكمي؛ لأن الإتلاف الحكمي دون الإتلاف الحقيقي، فرد هذا إلى ما يقتضيه القياس، وقضية القياس أن لا يضمن ما ليس بمال بالمال.
وإذا ادعى رجل على امرأة بأنه تزوجها بمئة درهم، وقالت المرأة: لا بل تزوجتني بألف درهم ومهر مثلها ألف درهم، فشهد شاهدان أنه تزوجها على مئة درهم، فقضى القاضي بذلك، ثم رجعا عن شهادتهما، فهذا على وجهين:
أما إن رجعا قبل الطلاق، أو بعد الطلاق، فإن رجعا عن شهادتهما حال قيام النكاح، ذكر أنهما يضمنان للمرأة تسعمئة في قول أبي حنيفة ومحمد، ولا يضمنان شيئاً عن أبي يوسف، وهذه المسألة فرع لمسألة ذكرها في النكاح، وهو أن الزوجين متى اختلفا في مقدار المسمى، فالقول قول من شهد له مهر المثل عند أبي حنيفة ومحمد، وعلى قول أبي يوسف: القول قول الزوج في الأحوال كلها، إلا أن يدعي شيئاً مستنكراً جداً، وهو أن يدعي دون العشرة، وههنا مهرها ألف درهم، وإذا كان القول قول المرأة أن مهرها ألف درهم عندهما كان المستحق لها على الزوج ألف درهم، فهما بشهادتهما أبطلا عليها تسعمئة بغير عوض، فيضمنان ذلك للمرأة إذا رجعا، وعلى قول أبي يوسف المستحق للمرأة مئة درهم كما يقول الزوج، لأنه لم يدع شيئاً مستنكراً، وإذا لم يكن ما زاد على المئة مستحقاً لها قبل شهادتهما، فهما بشهادتهما لم يبطلا على المرأة شيئاً مستحقاً لها، فلا يضمنان لها شيئاً في قول أبي يوسف، هذا إذا رجعا قبل الطلاق.
فإن رجعا بعد الطلاق فهذا على وجهين: أما إن رجعا قبل الدخول بها أو بعد الدخول بها، فإن كان بعد الدخول بها فالجواب فيه كالجواب حال قيام النكاح؛ لأن المستحق لها قدر مهر مثلها، وهو ألف درهم عندهما، فأما إذا كان الطلاق قبل الدخول بها، فإنهما لا يضمنان للمرأة شيئاً عندهم جميعاً، لأن الواجب لها بالنكاح متى ورد الطلاق قبل الدخول بها في مثل هذه الصورة المتعة، لأن التسمية لم تثبت لاختلافهما، فيجب تحكيم المتعة عندهما، والظاهر أن متعتها لا تزيد على خمسين درهماً وقد قضينا لها بخمسين، حتى لو زاد ضمنا لها الزيادة على خمسين عندهما، وعند أبي يوسف القول قول الزوج في الأحوال كلها، فيكون لها خمسون درهماً، متى طلقها قبل الدخول بها لا غير.
شاهدان شهدا على امرأة أن فلاناً تزوجها على ألف درهم، وقبضت ذلك وهي تنكر، ومهر مثلها خمسمئة فقضى القاضي بذلك، ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا مهر المثل دون المسمى، ولو وقعت الشهادة بالعقد بألف أولاً، فقضى القاضي به ثم شهدا بقبض الألف، وقضى القاضي به، ثم رجعا عن الشهادتين ضمنا للمرأة المسمى؛ لأن منافع البضع حال دخولها في ملك الزوج اعتبرت أموالاً متقومة ضرورة مقابلتها بما هو