على الشاهدين جعله حراً من حيث قضى له القاضي بعتقه حتى ضمن قيمته يوم قضى القاضي بعتقه.
ولا يضمن قيمته في رمضان، وإنما فعل ذلك لأن الشاهد إنما يضمن بالمنع والحيلولة، والمنع والحيلولة بين المولى وعبده حصل من يوم القضاء، فيضمنان قيمته من يوم القضاء، وإن كان حراً قبل ذلك، هذا كما قلنا في المغرور يضمن قيمة الولد المستحق يوم الخصومة والمنع وإن علق حر الأصل؛ لأن المنع إنما يتحقق يوم الخصومة كذا ههنا.
فلو شهد شاهدان على رجل أنه أعتق عبده عام أول في أول يوم من رمضان فأجاز القاضي ذلك وقضى به وأنفذه، ثم رجعا عن شهادتهما فضمنهما القاضي القيمة أو لم يضمنهما حتى شهد آخران، أنه أعتق أول (من) يوم في رمضان أول من عام الأول، فإن شهادة الآخرين مقبولة ولا ضمان على الأولين، وهذا قول أبي يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة رحمه الله: شهادة الفريق الثاني غير مقبولة ويجب الضمان على الأولين.
وهذه المسألة فرع لمسألة أخرى: أن البينة على عتق العبد من غير دعوى العبد غير مقبولة، وشهادة الفريق الثاني خلت عن الدعوى؛ لأن دعوى العبد أنه أعتقه أول من عام الأول بعد دعواه، أنه أعتقه في هذا العام، وجوده والعدم بمنزلة لمكان التناقض، فلا تقبل شهادة الفريق الثاني لهذا، وإذا لم تقبل شهادة الفريق الثاني صار كأنهم لم يشهدوا، ولو لم يشهد الفريق الثاني وباقي المسألة بحاله كان على الفريق الأول الضمان كذا ههنا، وعندهما دعوى العبد ليس بشرط فتقبل شهادة الفريق الثاني، وظهر بطلان شهادة الفريق الأول.
وإذا شهد شاهدان على رجل أنه كاتب عبده بألف درهم إلى سنة وقيمة العبد خمسمئة وقضى القاضي بالكتابة، ثم رجعوا عن شهادتهم، فإن القاضي يخير المولى فيقول له: إن شئت اخترت تضمين الشاهدين خمسمئة قيمة العبد للحال، وإن شئت اخترت اتباع المكاتب ببدل المكاتبة إلى أجله؛ لأنه وجد من الشاهدين سبب ضمان قيمة العبد وهو إزالة العبد عن يد المولى بالكتابة، فيخير المولى والتخيير مفيد؛ لأن قيمة العبد خمسمئة، وإنها وجبت حالة على الشاهدين، وبدل الكتابة ألف درهم وإنه مؤجل، والإنسان ربما يختار القليل العاجل على الكثير الآجل، وربما يختار الكثير الآجل على القليل الآجل، فكان التخيير مفيداً من هذا الوجه فيخير.
وإن اختار المولى تضمين الشاهدين لا يكون له اختيار اتباع المكاتب ببدل الكتابة أبداً، وإن اختار اتباع المكاتب لا يكون له تضمين الشاهدين أبداً، إلا في خصلة واحدة وهو أن تكون المكاتبة أقل من القيمة، وإنما يضمن باختياره تضمين أحدهما إبراء الآخر؛ لأن الشاهدين بمنزلة الغاصبين، لأنهما أزالا العبد عن يد المولى من غير عوض يصل إليه للحال، والمكاتب بمنزلة غاصب الغاصب؛ لأنه يثبت للمكاتب يد على نفسه بغير رضا المولى بعد شهادتهما، والمغصوب منه متى اختار تضمين الغاصب، أو تضمين غاصب