رحمه الله في «صلاة الأثر» أن من نام قاعداً أو واضعاً إليتيه على عقبيه وصار شبه المكب على وجهه واضعاً بطنه على فخذيه لا ينتقض وضوءه، وعن علي بن يزيد الطبري قال: سمعت محمداً رحمه الله يقول: من نام هكذا على وجهه لا ينتقض وضوءه.
وقال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: إن الشرط عند محمد رحمه الله أن يضطجع على غيره، أما اضطجاعه على نفسه لا يعتبر، وقال أبو يوسف رحمه الله: اضطجاعه على نفسه كاضطجاعه على غيره في زوال الاستمساك، فيكون حدثاً ولم يذكر قول أبي حنيفة، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وقد نقل عنه فصل يدل على أنه كان يميل إلى ما قاله أبو يوسف رحمه الله، فإنه قال فيمن كان محدودباً، فسجد على فخذه أو ركبته بأن وضع أنفه على طرف ركبتيه صح سجوده، وجعل سجوده بمنزلة السجود على الوسادة أو اللبنة، فجعل سجوده على نفسه كسجوده على غيره، فجاز أن يجعل اضطجاعه على نفسه كاضطجاعه على غيره.
وجه قول من يقول إنه ينتقض وضوءه أنه نام والمسكة زائلة عن مستوى جلوسه، فيكون حدثاً كما لو نام مضطجعاً على غيره، وكان القياس في حالة الصلاة كذلك لكن عرفناه بالأثر.
وجه قول من قال: إنه لا يكون حدثاً أن النوم في هذه الأحوال إنما لم يجعل حدثاً في الصلاة لانعدام استرخاء المفاصل على سبيل النهاية والمبالغة، وهذا المعنى موجود في غير حالة الصلاة، وأما إذا نام قاعداً مسوياً إليتيه على الأرض لا ينتقض وضوءه، وإن نام قاعداً (على) مستوى الجلوس، ولكن مستنداً إلى جدار أو أسطوانة، ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله أن ظاهر المذهب أنه لا ينتقض وضوءه.
وعن الطحاوي رحمه الله: أنه قال: إن كان بحيث لو أزيل السناد سقط، فهو كالمضطجع، وعلى هذا بعض المشايخ، وهذا لأنه إذا كان بهذه الصفة، فقد وجد زوال التماسك من كل وجه؛ لأنه لم يقعد لقوة نفسه إنما قعد لقوة الأسطوانة أو الحائط، فينتقض وضوءه.
وفي «القدوري» : روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا ينتقض وضوءه إذا كانت إليتاه مستوية على الأرض، وذكر شيخ الإسلام رواية عن أبي حنيفة غير مقيدة بما إذا كانت إليتاه مستوية على الأرض، ومنهم من قال: إن جعل عقبه عند مقعده، واستند إلى شيء ونام، لا يكون حدثاً، وقيل: إذا كان مستقراً على الأرض غير مستوقر لا ينتقض وضوءه، وإن كان بحال لو أزيل السناد سقط، وإن كان مستوقراً غير مستقر على الأرض ينتقض وضوءه، وإن كان بحال لو أزيل السناد لا يسقط، ولو نام قاعداً مستوي الجلوس فسقط على الأرض ذكر شمس الأئمة رحمه الله: أن ظاهر الجواب عند أبي حنيفة رحمه الله أنه إن انتبه قبل أن يزايل مقعده الأرض في حال سقوطه لم تنتقض طهارته.
وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله لو استيقظ حتى يضع جنبيه على الأرض، فلا وضوء عليه، وإن وضع جنبيه وهو نائم بطل وضوءه؛ لأنه وجد شيء من النوم مضطجعاً فينتقض وضوءه. وعلى قولهما لا تنتقض طهارته حتى يسقط على الأرض قبل أن ينتبه، ويشترط لانتقاض الطهارة عند أبي يوسف رحمه الله أن يكون الانتباه بعدما استقر نائماً على الأرض، وهكذا روى ابن رستم عن محمد، وعن محمد رحمه الله في رواية كلما اضطجع إذا انتبه فعليه أن يتوضأ، لأنه وجد شيء من النوم