للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحبس، ولهذا صار الكل محبوساً عن الراهن، وإن لم يثبت حكم الرهن في الفضل حتى يهلك الفضل أمانة.

قلنا: ولم يجب الضمان عليهما في المضمون لأن إزالة اليد عن المضمون حصلت بعوض يعدله، فلا يجب الضمان في الفضل أيضاً؛ لأن حكم التبع لا يخالف حكم الأصل، أما بعد هلاك العبد لم يبق الفضل تبعاً للمضمون، ولأن قدر المضمون بعد الهلاك يصير ملكاً للمرتهن، وقدر الفضل لا يصير ملكاً له وإذا زالت التبعية بعد الهلاك زال المانع من وجه الضمان بعد إزالة اليد. هذا إذا كان الطالب يدعي الرهن والمطلوب يجحد، فأما إذا كان المطلوب يدعي الرهن والطالب يجحد، فإن كان الرهن قائما في يد المرتهن، فالقاضي لا يقضي بالرهن ببينة المطلوب في رواية كتاب الرهن وفي رواية هذا الكتاب يقضي، وجه ما ذكر كتاب الرهن أن الجحود في العقد صار كناية عن الفسخ فيوجب الفسخ متى فضل ممن يملك الفسخ والمرتهن يملك الفسخ، بانفراده مادام الرهن قائماً؛ لأن عقد الرهن غير لازم من جانبه، وصار جحوده بمنزلة قوله: فسخت الرهن، وبعدما قال المرتهن فسخت الرهن، القاضي لا يقضي بالرهن فكذا ههنا.

وجه ما ذكر في هذا الكتاب أن الجحود والعقد كما يصلح كناية عن الفسخ يصلح عبارة عن إنكار العقد من الأصل، بل هو رفع العقد بعد وجوده، والقضاء بالعقد بعد وجود ما يرفعه متعذر، وإن كان الرهن هالكاً في يد المرتهن، فالقاضي يقضي بالرهن ببينة المطلوب باتفاق الروايات؛ لأن جحود المرتهن الرهن بعد هلاك الرهن يجعل كناية عن الفسخ؛ لأن بعد هلاك الرهن هو لا يملك الفسخ، فيجعل إنكاراً للعقد من الأصل، فيتمكن الراهن من إثباته بالبينة.

وإذا قضى القاضي بالرهن ببينة المطلوب في هذه الصورة ثم رجعوا عن شهادتهم لا شك أنهما لا يضمنان الفضل للراهن؛ لأنهما أزالا يده عن الفضل برضاه إذا كان هو المدعي للرهن وهل يضمنان للمرتهن قدر الدين بعده؟ فإن رجعا فالمسألة على التفصيل:

إن رجعا عن الرهن والقبض بأن قالا: ما رهن ولا سلم إليه شيئاً، وإنّا كذبنا في كلا الأمرين، فإنهما يضمنان الدين للمرتهن؛ لأنهما أقرا أنهما أبطلا حقه في الدين بغير عوض لما رجعا عن الرهن والقبض؛ لأنهما زعما أنه ليس إليه شيء فكان بمنزلة ما لو شهدا بقبض الثمن ثم رجعا عن شهادتهما، فإنهما يضمنان قيمة المبيع للبائع، وطريقه ما قلنا.

فأما إذا رجعا عن الرهن ولم يرجعا عن التسليم بأن قالا: سلم هو إليه هذا العبد إلا أنه ما رهنه منه، وفي هذا الوجه لا ضمان عليهما، وكان ينبغي أن يجب عليهما الضمان؛ لأن التسليم إذا كان بإذن المالك من غير عقد الرهن كان التسليم بجهه الإيداع، وبهلاك الوديعة في يد المرتهن لا يصير المرتهن مستوفياً للدين، فيكون هلاك الدين بغير عوض وقد أتلفا الدين على المرتهن بغير عوض فيضمنانز

قلنا: التسليم وإن كان بحق الإيداع إلا أن المرتهن لما جحد صار ضامناً له، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>