وفي «متفرقات» الفقيه أبي جعفر رحمه الله: أن معنى قول أصحابنا: إذا شرع الرجل في التطوع، ونوى أكثر من ركعتين، لا تلزمه أكثر من ركعتين: إن ذلك في غير السنن، فأما في السنن مثل الأربع قبل الظهر، والأربع قبل العشاء الآخرة، فإنه يلزمه أربع ركعات، ولا يلزمه أكثر من ذلك، ويلزمه في كل ركعتين من القراءة والذكر والفعل ما يلزمه في صلاة الفرض، وقالوا إذا قام إلى الثالثة يستفتح كما يستفتح في الابتداء، لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة على ما مر. وإذا ترك القعدة الأولى فالقياس: أن تفسد صلاته وهو قول محمد رحمه الله، كما لو تركها من آخر الفرض، وفي الاستحسان لا تفسد، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.
وجه ذلك: أنه لما أدى أربعاً بتحريمة واحدة صارت هذه الصلاة بمنزلة الفرض في حق القعدة الأولى الفقهٍ، وهو أن القعدة الثانية ليست من جملة الأركان على ما مر، قبل هذا، ولكنها مفروضة شرعت للختم، وختم المفروض فرض، لهذا لم تكن القعدة الأولى فرضاً، لأنها ليست بحالة الختم، فإذا قام إلى الثالثة هنا حتى صارت الصلاة من ذوات الأربع، لم تكن حالة القعدة الأولى حالة الختم، فلم يبق فرضاً كما في الفرض، وما كان مسنوناً في الفرض، فهو مسنون في التطوع إلا أن يصلي قاعداً وهو يقدر على القيام، أو يصلي التطوع على الراحلة، فإن ذلك يجزئه، ولا يجزئه في الفرض على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وإن أفسد شيئاً من ذلك قضاه، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجب القضاء؛ لأنه متبرع وذلك ينافي الوجوب والإلزام وقد قال عليه السلام:«الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء لم يصم» ، والخلاف في الصلاة والصوم واحد.
ولنا: أن ما أدى عمل لله تعالى، لأنه إمساك لله تعالى بأمره وبدنه، فيجب صيانته عن البطلان، وذلك بالإتمام ولزمه القضاء عند الإبطال بقدر ما أدى، وإذا لزمه القضاء بقدر ما عمل لله تعالى، صار الحال في القضاء كالحال في الأداء، على معنى أن يلزمه الإتمام صيانة لما أدى، كما لزمه في الأداء.
قال: وكل ركعتين أفسدهما فعليه قضاؤهما دونما قبلهما، لما مر أن كل شفع صلاة على حدة، فلا يفسد الشفع الأول لفساد الشفع الثاني، وإذا افتتح التطوع قائماً أراد أن يقعد من غير عذر فله ذلك عند أبي حنيفة استحساناً، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا يجزئه وهو القياس.
وجه القياس: وهو الشروع يلزم كالنذر بدليل أنه لو أفسدها يلزم القضاء، ومن نذر أن يصلي ركعتين قائماً لم يجز أن يقعد فيهما من غير عذر، فكذلك إذا شرع قائماً.
وجه الاستحسان: وهو أن القعود في التطوع من غير عذر، كالقعود في الفرض بعذر، ثم هناك لا فرق بين الابتداء والبقاء فكذلك هنا؛ وهذا لأنه في الابتداء كان مخير