للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤقت؛ لأن تاريخ المؤرخ إن دل على سبق شرائه على نحو ما بيّنا، فقبض الذي لم يؤرخ يدل على سبق شرائه من حيث أن الإنسان إنما يتمكن من القبض في وقت لا منازع له فيه فتعارضا، إلا أن دليل السبق في حق الذي لم يؤرخ القبض وإنه معاين، وفي حق المؤرخ التاريخ، وإنه مخبر فيه، وليس الخبر كالمعاينة، ولو استوى الدليلان لا يجوز نقض قبض صاحب اليد بالشك، فكيف إذا ترجح دليل صاحب اليد، ولأن القبض يؤثر في الشراء تأكيداً له، والتاريخ لا يؤثر، والترجيح بالمؤثر أولى من الترجيح بغير المؤثر، وكذلك إذا كان للذي لم يؤرخ قبضاً مشهوداً به كان هو أولى؛ لأن قبضه ثبت بالبينة، والثابت بالبينة كالثابت عياناً ولو عاينا قبضه كان هو أولى فههنا كذلك.

وإن شهد شهود الذي لم يؤرخ على إقرار البائع بالشراء والقبض، قضي لصاحب التاريخ؛ لأن الثابت بالبينة ههنا إقرار البائع بالقبض لا نفس القبض، فصار كأنما عاينا إقرار البائع بذلك، ولو عاينا إقرار البائع بذلك لا يصدق في حق صاحب التاريخ فههنا كذلك.

والفقه في ذلك: أن الاحتمال في بينة صاحب الوقت من وجهين، من حيث أيهم صدقه أو كذبه، ومن حيث أن عقده يحتمل أن يكون سابقاً أو لاحقاً، والاحتمال في بينة صاحب الإقرار من وجوه ثلاثة: من حيث أيهم صدقه أو كذبه، من حيث أن بائعه صادق في إقراره أو كاذب في إقراره، ومن حيث أن عقده يحتمل أن يكون سابقاً، ويحتمل أن يكون لاحقاً، فكان القضاء ببينة صاحب الوقت أولى.

ولو كان لأحدهما قبض مشهود به، وللآخر قبض معاين، فالذي له قبض معاين به أولى لرجحان العيان على الخبر. وإن شهد شهود كل واحد منهما على الشراء والقبض معاينة، أو على إقرار البائع بالقبض، وأرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر، إن كانت الدار في يد البائع، فصاحب التاريخ أولى، وإن كانت الدار في يدي الذي لم يؤرخ شهوده، فهو أولى بحكم القبض المعاين، وإن كانت الدار في يد المشتري، وأقاما البينة على الشراء والقبض معاينة، أو على إقرار البائع بالقبض، وأرخ شهود أحدهما دون الآخر قضي بالدار بينهما نصفين، والعبد لهما أيضاً، أما القضاء بالدار بينهما، فلأن في يد كل واحد منهما نصف الدار، فالنصف الذي في يد صاحب التاريخ له فيه تاريخ وقبض معاين، وليس للآخر في ذلك شيء، فصار هو أولى به، والنصف الذي في يد غير صاحب التاريخ له فيه قبض معاين، وليس للآخر فيه إلا التاريخ، فصار صاحب القبض أولى، وأما العبد لهما لأن كل واحد منهما أثبت على المدعى عليه شراء جميع الدار بالعبد، ولم يسلم له إلا نصف الدار، وكان له الرجوع في نصف العبد، فلذلك صار العبد لهما أيضاً، ويخيران أيضاً لعيب الشركة.

قال محمد رحمه الله عقيب هذه المسائل: وتاريخ القبض في هذا بمنزلة تاريخ الشراء، حتى لو كانت الدار في يد البائع وشهد شهود كل واحد من المدعيين على الشراء والقبض، وأرخوا القبض دون الشراء وتاريخ أحدهما أسبق، بأن شهد شهود أحدهما أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>