متى أمر الذي في يديه الجارية بالنفقة أنها تربى على قيمة الجارية يبيع الجارية، وذلك لأن نفقة الآبقة والوديعة على ربها، فمتى لم يبع أتى النفقة على جميع ماله فيهلك ماله وعلى القاضي أن يدفع الهلاك عن أموال الناس ما أمكنه، فكان النظر للغائب أن يبيع، وههنا النظر للغائب في أن لا يبيع حتى لا تزول العين من ملكه، لأن نفقة المبيع على البائع إلى أن يحضر المشتري فيقبض، وإذا هلكت كانت عليه فالنظر للغائب أن لا يبيع إذا كان يعرف، ولكن يأمره بطلب المشتري وهذا إذا جاء المشتري وأقر بذلك، فأما إذا أنكر الشراء احتاج البائع إلى إقامة البينة على المشتري ثانياً لأن البيع لم يثبت بما أقام من البينة؛ لأنه لم يكن عنه خصم (١٨٣ب٤) حاضر.
قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا كانت الدار في أيدي ورثة وأحدهم غائب، فادعى أحدهم أنه اشترى نصيب الغائب هل تقبل هذه البينة على بقية الورثة الذين في أيديهم الدار؟ فهذا على وجهين:
إما أن تكون بقية الورثة الذين في أيديهم الدار مقرين بنصيب الغائب، أو كانوا منكرين نصيب الغائب فإن كانوا مقرين بنصيب الغائب؛ فإنه لا يقبل بينته لأنها قامت على إثبات الشراء على الغائب وليس عنه خصم حاضر وإنما قلنا: ليس عن الغائب خصم حاضر، لأن أحد الورثة إنما ينتصب خصماً فيما يستحق للميت ويستحق عليه، فأما فيما يستحق على أحدهم لا ينتصب البعض عن البعض على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى: وإن كانوا منكرين يسمع هذه البينة، ويثبت الشراء على الغائب حتى لو حضر لا يكلف المدعي إعادة البينة؛ لأنه أقام البينة على الغائب في إثبات الشراء وعنه خصم حاضر جاحد، فسمع هذه البينة كما لو كان الغائب وكله بالخصومة، وإنما قلنا ذلك، وذلك لأنه ادعى حقاً على الحاضر بسبب على الغائب، وقد جحد الحاضر ما ادعى المدعي وصح جحوده؛ لأن اليد له فينتصب الحاضر خصماً عن الغائب.
كعبد قطع يد رجل، وادعى المقطوع يده أن مولاه أعتقه، وأنكر العبد ذلك انتصب خصماً عن المولى في إثبات العتق عليه؛ لأن المقطوعة يده ادعى حقاً على الحاضر وهو العبد بسبب على الغائب وهو الولي فانتصب الحاضر، خصماً عن الغائب فكذلك هذا.
قال محمد في «الزيادات» : رجل في يديه دار اشتراها رجل من غير ذي اليد بعبد وسلم العبد إليه، ثم خاصم المشتري صاحب اليد الدار فأخذها منه بهبة أو صدقة أو شراء أو وديعة أو غصب أو ما أشبه ذلك، فليس له على العبد سبيل؛ لأن في زعمه أن القبض مستحق له بجهة الشراء والمستحق بجهة نفع عن جهة المستحق، وإن أوقعه الموقع بجهة أخرى، فوقع هذا القبض بجهة الشراء وسلم الدار للمشتري بجهة الشراء، ولا يكون له على العبد سبيل، أورد هذه المسألة ليبين أن المشتري إذا وصل إلى المشترى يعتبر وصوله بجهة الشراء وصل إليه من جهة البائع أو من جهة غيره، فإن جاء صاحب اليد واسترد الدار من يد المشتري بأن كان في يد المشتري بسبب الغصب أو بسبب الوديعة فالمشتري يرجع على البائع بالعبد، فإن قيل: المستحق بالشراء أصل القبض لا إدامته وبالاسترداد تتقدم إدامة القبض لا أصله.