رجوع الكفيل على المشتري يعلمه أن المشتري أمره بالأداء، ضمن له سلامة المؤدى فيرجع بمثل المؤدى، هذا إذا أدى الكفيل أنقص مما التزم، وأما إذا أدى خيراً مما التزم لا يرجع الكفيل على المشتري إلا بالملتزم لأنه متبرع على المشتري بزيادة الجودة فيعتبر بما لو تبرع بزيادة العدد، وهناك لا يرجع على المشتري إلا بالملتزم، فهذا كذلك.
فإن استحق العبد من يد المشتري في هذا الوجه فالكفيل بالخيار إن شاء رجع على البائع وإن شاء رجع على المشتري، فإن رجع على البائع رجع بالمؤدى؛ لأنه ظهر أن البائع قبض ذلك بغير حق، وإن رجع على المشتري رجع بالملتزم لما مرّ أن رجوع الكفيل على المشتري باعتبار ما لحق الكفيل من الضمان بأمر المشتري، وضمان المشتري السلامة له، وذلك بقدر الملتزم، وإذا رجع على المشتري بالملتزم لما مرّ إن رجع المشتري على البائع بما أداه الكفيل من الجياد؛ لأن الكفيل لما أدى الجياد، فإنما تبرع بالجودة على المكفول عنه دون الطالب لأن الطالب في حق الأصيل يقبض حقه، فلا تكون الكفالة تبرعاً في حق الطالب، وإنما تكون تبرعاً في حق المكفول فكذا بالزيادة تكون تبرعاً على المطلوب، ولأن الكفيل لما رجع على (١٨٨أ٤) المشتري، فقد قام المشتري مقام الكفيل في تلك المؤدى فيقوم مقامه في حق الرجوع على البائع بالجياد.
ولو لم يستحق العبد ولكن مات في يد البائع قبل القبض، وقد كان الكفيل أنقص مما التزم فلا سبيل للكفيل على البائع؛ لأن بموت العبد لا يتبين أن البائع قبض ما قبض من الكفيل بغير حق، ولكن يرجع على المشتري بألف درهم نبهرجة.
فرق بين هذا وبينما إذا سلم العبد للمشتري وقد أدى الكفيل أنقص مما التزم، فإن هناك الكفيل يرجع على المشتري بالملتزم، وهو أن البائع لما تجوز بالزيوف صارت صفة الجودة كأنها وهبت الكفيل، فتفسير ذلك بما لو وهب للكفيل كل الدين، وهناك عند سلامة العبد للمشتري يرجع الكفيل على المشتري بذلك، وعند انتقاض البيع لا يرجع، فكذا إذا وهب له صفة السلامة.
والفرق الفقهي بين الفصلين: أن البيع لما انتقض فقد برئ الأصيل عن الثمن وبراءة الأصيل عن الثمن يوجب براءة الكفيل، وبعدما وقعت البراءة للكفيل لا يتصور ملك ما في ذمته فيعتبر المؤدى بخلاف ما إذا تم البيع، ولو كان الكفيل أدى أجود ما التزم ثم مات العبد في يد البائع لم يكن للكفيل على البائع سبيل، ولكن يرجع الكفيل على المشتري بما كفل عنه، ويرجع المشتري على البائع بمثل الدراهم التي أعطى الكفيل البائع وهو الخيار.
قال محمد رحمه الله في «الكتاب» : ألا ترى أن رجلاً لو أمر رجلاً أن يعطي رجلاً عشرة دراهم عليه على أن يكون قرضاً على القابض للآمر ويكون قرضاً للمعطي على الآمر إن ذلك جائز؛ فإن أعطاه المأمور دراهم أجود من الدراهم التي أمره بها الآمر لم يكن للمعطي على الآمر إلا دراهم مثل الدراهم التي أمره بإعطائها، ويرجع الآمر على القابض بمثل ما أعطاه المأمور، فكذا فيما تقدم.