للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعادها؛ لأني إذا أبطلتها مرة لم أقبلها ثانياً، ألا ترى أن صاحب الشهرين لو غاب بعدما شهد شهوده ولم يحضر لا يقضي على الذي في يديه الغلام لصاحب الشهرين حتى يحضر صاحب الشهر لأني جعلته خصماً.

روى عمرو بن أبي عمرو عن محمد عن أبي يوسف رحمهما الله: في رجل أقام بينة على رجل أنه قتل أباه عمداً في شهر ربيع الأول ولا وارث له غيره، وأقام المدعى عليه بينة أنهم رأوا أباه حياً بعد ذلك الوقت في شهر ربيع الآخر، فالبينة بينة المدعي ويقضى بالقود.

ولو أقامت امرأة بينة أن زوجها طلقها ثلاثاً في يوم النحر برقة، وأقام عبده بينة أن مولاه هذا بعينه أعتقه في ذلك اليوم بمنى فالشهادة باطلة، فإن صدق إحدى البينتين قضى بإقراره فيما أقر به، وقضيت في الأخرى بالبينة.

ولو شهدت إحدى البينتين أنه طلق امرأته ثلاثاً يوم النحر بمنى، وشهدت الأخرى أنه أعتق عبده بعد ذلك بيوم بالرقة، فإن القاضي يطلق امرأته؛ لأن وقته أول ويبطل الآخر.

وإذا شهد الشهود على رجل أنه قتل أبا هذا الرجل عمداً ولا وارث له غيره، وأن القتل كان في شهر ربيع الأول سنة خمس وثمانين ومئة، وأقام المدعى عليه بينة أن أباه كان حياً أقرضه في محرم سنة ست وثمانين ومئة درهم وأنها له دين عليه، فالبينة بينة الابن قال: لأنهما أمران لا يستقيم أن يكون فيؤخذ بالوقت الأول، قال: إلا أن أبا حنيفة رحمه الله أستحسن في هذا الباب شيئاً واحداً، فقال: إذا أقام الابن البينة أن هذا قتل أباه عمداً بالسيف منذ عشرين سنة، وأنه لا وارث له غيره، وجاءت امرأة وأقامت البينة أنه تزوجها منذ خمسة عشر سنة، وأن هذا ولده منها، وأنها وارثة مع ابنه هذا، قال أبو حنيفة رحمه الله: أستحسن في هذا أن أجيزه ببينة المرأة، وأثبت النسب وأبطل بينة الابن على القتل، ولو أقامت البينة على النكاح ولم تأت بولد، فالبينة بينة الابن والميراث للابن دون المرأة، ويقتل القاتل، إنما أستحسن في النسب خاصة، وهو قول أبي يوسف ومحمد.

ذكر ابن سماعة في «الرقيات» أنه كتب إلى محمد بن الحسن: أرأيت رجلاً مات وباع رجل من تركته متاعاً، فخاصمه وارثه بعد ذلك إلى قاض، وأقام الرجل البينة أن فلاناً القاضي أجاز جميع ما باع فلان من تركة فلان، وأقامت الورثة البينة أن ذلك القاضي أبطل جميع ما باع فلان من تركة فلان ونقضه، والقاضي واحد ولم يوقت للبينتان وقتاً أو وقتا وقتاً واحداً، قال محمد رحمه الله: إذا لم يعلم أيها أول، فالنقض أولى لأن كل واحد منهما ينقض صاحبه، فصار كأنه باع ولم يجز ذلك القاضي ولم يرده، وهو غير وصي ولا جائز الأمر، وإن وقتا وقتين أخذ بالوقت الأخير.

وإن أقاما البينة على النقض والإجارة من قاضيين مختلفين، فالنقض أولى إذا لم يدر أي الوقتين أول، وإن شهد أحد (١٨٨ب٤) الفريقين أن ذلك القاضي أبطل إجارة

<<  <  ج: ص:  >  >>