للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعلق به حق الغير على ما مر، فلا يفيد الاستحلاف الذي شرع لرجاء النكول.

ولو قال الذي في يديه المال: (المال) الذي في يدي مالك لأني غصبتها من عبدك، أو أودعنيها عبدك؛ وقال المقر له: المال مالي ما أخذته من عبدي، وأبى أن يدفع المال إلى المولى؛ كان للمولى أن يأخذها إلا أن يقيم المقر بينة على ما زعم؛ لأن إقراره بالملك للمدعي يوجب التسليم إليه، غير بدعوى الغصب والوديعة من العبد؛ يريد إبطال استحقاق التسليم إلى المقر له إلى أن يحضر العبد، ولا يصدق من غير بينة.

قالوا: وينبغيي أن يستحلفه بالله ما يعلم أن الغائب أودعه أو غصب هو هذا المال من الغائب، لأن المقر له لو أقر بذلك لزمه الكف عن مطالبته، فإذا أنكر يستحلف رجاء النكول ولكن (٢٠٩ب٤) يستحلف على العلم لأن هذا استحلاف على فعل الغير، فإن لم يكن له بينة، وقبض المولى المال ثم حضر الغائب وجحد أن يكون عبداً للمدعي ففي الغصب؛ القاضي يقضي للذي حضر على المقر بمثل ما أقر أنه غصبه سواء سلم المقر المغصوب إلى المقر له بقضاء أو بغير قضاء، وفي الوديعة كذلك الجواب.

وعند محمد وعند أبي يوسف رحمه الله؛ لا يضمنه شيء إلا أن يكون سلمه بغير قضاء، وهذا الاختلاف نظير الاختلاف فيمن قال: هذا العبد في يدي لفلان، ثم قال بعد ذلك: لا بل لفلان غصبته منه أو أودعني ودفع إلى الأول بقضاء، أو بغير قضاء، فهو على التفصيل الذي قلنا.

والمسألة بحججها في «الجامع الكبير» : في كتاب الإقرار، فإن أراد الغائب في هذا الوجه أن يسترد المال من المقر له ليس له ذلك بالإجماع؛ لأن الإقرار للمقر له قد سبق، فلا يبطل ذلك بمجرد إنكار الغائب؛ كما لو قال: هذا عبد فلان أودعنيه عبدك، أو غصبه من عبدك، وهو مالك لأن العبد عبدك فماله لك، فقال المقر له: هذا عبدي كما قلت، وهذا المال مالي لم تأخذه من عبدي فلان.

فإنه يقال للمقر: أقم البينة على ما ادعيت، فهو للمقر له؛ لأن حق المقر له قد ثبت، وحق الغائب إنما يثبت على اعتبار تصديق الغائب وذلك موهوم، فوجب التسليم إلى المقر له، فإن لم يكن له بينة وطلب المقر يمين المقر له على ما زعم من الغصب والوديعة استحلفه القاضي على ذلك على علمه على ما قلنا في الفصول الأول.

فإذا حلف المقر له في هذا الفصل وأخذ المال ثم حضر الغائب، وأنكر أن يكون عبداً للمقر له، وطلب ماله كان له أن يسترد الألف من المقر له، وهو الولي من غير بينة بخلاف المسألة الأولى، فإن ثمة الغائب لا يأخذ المال من المولى ما لم يقم البينة على الغصب والإيداع منه.

والفرق: أن في المسألة الأولى المقر بدأ بالإقرار بالملك الحاضر، ثم ثنى بالإقرار للغائب وتصديق الغائب وإن أسند إلى وقت الإقرار لا يصير سابقاً على الإقرار للمدعي فيبقى الحكم للإقرار الأول، فلهذا لم يكن للغائب ولاية الأخذ بدون الحجة.

أما في مسألتنا بدأ بالإقرار للغائب، وإنما وجب التسليم إلى الحاضر؛ لاحتمال

<<  <  ج: ص:  >  >>