جارية في يدي رجل قتلها عند رجل، فأقر الذي الجارية في يده أنها لفلان الغائب أودعها إياه؛ كان له أن يخاصم مولى العبد الجاني بالدفع أو الفداء، وهذا لأن المودع ينتصب خصماً من المودع فيما يستحقه المودع لأنه أمر بالحفظ والخصومة فيما يستحق للمودع من حفظ الوديعة فينتصب خصماً فيه.
ألا ترى لو غصب الوديعة منه غاصب كان له أن يخاصم الغائب، ويسترد الوديعة من يده، وطريقه: أن استرداد الوديعة من الغاصب من باب الحفظ، والمودع مأمور بالحفظ، فإن دفع مولى العبد؛ العبد بالجناية ثم أقام رجل البينة أن الجارية كانت جاريته، وأقام الذي كانت الجارية في يديه أنها كانت وديعة عنده من جهة فلان، فالقاضي يقول للمدعي: ماذا تريد؛ أخذ العبد أو تريد أخذ قيمة الجناية؟ وإنما خيره لأن المدعي لما أقام البينة أن الجارية ملكه ظهر أن ذا اليد كان غاصباً لها، والجارية المغصوبة إذا قتلها عبد في يد الغاصب، وأخذ الغاصب العبد كان لمولى الجارية الخيار؛ لأنه لم يجد عين ماله كذا هاهنا.
وإن قال: أريد أخذ عين العبد فلا خصومة بينهما؛ لأن العبد المدفوع بالجناية يقوم مقام الجارية لحماً ودماً كأنه هي، ولو كانت الجارية قائمة في يد ذي اليد، وأقام ذو اليد بينة على الإيداع من الغاصب لم يكن ذو اليد خصماً له؛ فكذا إذا أقام العبد مقامها.
وإن قال: أريد أخذ القيمة كان خصماً له ويقضى له بقيمة الجارية؛ لأنه ادعى ديناً في الذمة بسبب عين كان في يده، وفي مثل هذا لا تندفع الخصومة عن ذي اليد، وإن أقام البينة على الإيداع، وقد مر هذا من قبل.
وإذا قضى القاضي بقيمة الجارية على ذي يد، وأخذها المدعي من ذي اليد ثم حضر الغائب، وأقر بالوديعة أخذ العبد من يد ذي اليد؛ لأنه قام مقام ملكه، ويرجع ذو اليد على الغائب بما ضمن للمدعي من قيمة الجارية.
ولو أن الجارية لم يقتلها العبد، ولكن قطع يدها ودفع العبد باليد والمسألة بحالها لم يكن بينهما خصومة حتى يحضر الغائب لا في الجارية، ولا في العبد، أما في الجارية فظاهر، وأما في العبد لأن العبد بدل اليد فكان كالأرش (٢١٣أ٤) وذكرنا أنه متى تعذر القضاء بملك الأصل يتعذر القضاء بملك الأرش.
النوع الثاني من هذا الفصل
أن يدعي المدعي مع دعوى الملك المطلق فعلاً، وهذا النوع ينقسم أقساماً أيضاً:
القسم الأول
أن يدعي الفعل على ذي اليد بأن قال ذو اليد: هذا العين ملكي غصبته مني، أو قال: أودعنيه منك، أجرته منك، أو ما أشبه ذلك، وقال ذو اليد: إنه لفلان وصل إلى