للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل ادعى في تركة رجل وصية، ولابنه الصغير بثلث ماله، وأقام البينة على ورثة الميت، وقضي بالوصية لابنه، ثم إن الورثة أقاموا بينة على المدعي بطريق الدفع أنه كان قد أقر قبل الحكم أن على الميت دين مستغرق لتركته؛ كان هذا دفعاً صحيحاً، ويبطل حكم القاضي، وسجله إذ تبين أن المدعي لم يكن خصماً في دعوى الوصية إذ لا وصية مع الدين المستغرق من غير خصم والقضاء بها باطل.

وهو نظير ما لو ادعى رجل عبداً في يدي رجل أنه له، وأقام على ذلك بينة وذو اليد يقول: هذا العبد وديعة عندي من جهة فلان، وأقام بينة أنه عبده قد كان أودعه صاحب اليد، فالقاضي يأخذ العبد من المدعي المقضي له، ويدفعه إلى هذا الذي ادعى الإيداع من صاحب اليد، إذ تبين أن المدعى عليه لم يكن خصماً للمدعي، وأن بينة المدعي قامت على غير الخصم، والبينة على غير الخصم لا تقبل.

رجل أوصى لابني ابنه بثلث، وأحدهما صغير والآخر كبير وأبوهما حيٌّ، ثم مات الموصي، فادعى أبو الصغير على أن إرث الموصي لأجل ابنه الصغير الوصية من جهة الميت، وادعى الكبير الوصية من جهة الميت، وأنكر الوارث وصيتهما، وقال في دفع دعواهما: إن هذا الكبير قد أقر بعد موت الميت أن الميت ما أوصى لي بشيء، وكذلك أب الصغير أقر أن الميت ما أوصى لابني الصغير بشيء، هل يكون هذا دفعاً؟ فقد قيل في حق الكبير: هذا دفع، وفي حق أب الصغير: هذا دفع لدعوى الأب، لا لدعوى الابن، حتى لو كبر الابن وادعى الوصية لنفسه؛ سمع دعواه.

وقد قيل: هذا ليس بدفع أصلاً، وهو الأظهر والأشبه بالفقه، لأنه لو صار دفعاً إنما صار دفعاً لأنه سبق دعوى الوصية إنكار الوصية، فيصير متناقضاً، والتناقض يمنع صحة الدعوى، إلا أن هذا التناقض فيما طريقه طريق الخفاء، لأن الموصي يستبد بالوصية، ولا يحتاج فيها إلى القبول، ولعل أوصى ولم يعلم به الموصى له، فنفاه فلما علم به ادعاه.

نوع آخر من هذا الفصل في المتفرقات

يجب أن يعلم بأن دفع الدعوى كما هو صحيح، فدفع الدفع صحيح، وكذلك دفع دفع الدفع، وما زاد على ذلك صحيح هو المختار، وكما يصح دفع الدعوى بعد إقامة المدعي البينة، يصح دفعه قبل إقامة المدعى البينة، وإذا ادعى المدعى عليه الدفع وطلب من القاضي الإمهال، فالقاضي يمهله إلى المجلس الثاني في «الفتاوى» ، وفي «فوائد» شمس الإسلام محمود الأوزجندي: أن دعوى الدفع من المدعى عليه لا يكون تعديلاً للشهود، وإنه ظاهر لجواز أن دفع الطعن في الشهود.

وإذا ادعى المدعى عليه أن هذا العين وديعة عنده من جهة فلان، وأقام على ذلك بينة، وأقام المدعي بينة في دفع دعواه: إنك أقررت قبل هذا أن العين ملكي، فهذا دفع لدعوى المدعى عليه.

وإذا كان أرضاً في يد إنسان، وأقام المدعى عليه بينة أن هذه الأرض في يدي بحكم المزارعة، فهذا دفع دعوى المدعي، كما لو أقام بينة أنها في يدي بإجارة، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>