قاصرة، فإذا تعذر القضاء بالوصيتين بكمالهما، وتعذر القضاء بالشركة لا بد من القضاء بأحدهما، فكان القضاء بما ثبت بالبينة، والبينة حجة في حق الناس كافة أولى من القضاء بما ثبت بالإقرار، وإنه حجة قاصرة.
فإن قيل: ينبغي أن يقضى للمقر له بجميع بزيع، لأن بزيعاً في يد الوارث، وقد أقر الوارث أن جميعه للمقر له.
قلنا: الوارث ما أقر بزيع إقراراً مطلقاً، إنما أقر به بجهة الوصية، والوصية تنفذ في الثلث، والقاضي لما قضى بسالم بحكم الوصية لأن القضاء يكون على وفق الدعوى، وصاحب البينة ادعاه بحكم الوصية، وإذا تعين سالم محلاً للوصية؛ خرج بزيع من أن يكون محلاً لها، فالإقرار من الوارث بزيع حصل في غير محله، فلم يصح.
يوضحه: أن الإقرار ببزيع لما حصل بجهة الوصية، ومحل الوصايا الثلث كان الإقرار بزيع من الوارث بشرط أن يسلم للوارث ضعف بزيع، وبعدما قضى القاضي بسالم، لو قضينا ببزيع بإقراره لا يسلم الوارث ضعفه، فلا يكون تنفيذ إقراره كما أقر به.
فإن قيل: لمَ لا يقضى للمقر له من بزيع بقدر ثلث ما بقي من التركة سوى سالم بحكم إقرار الوارث؟
وبيان ذلك أن في زعم الوارث أن صاحب البينة مبطل في دعواه، وأنه أخذ سالم بغير حق، فصار سالم بمنزلة الهالك حكماً، ولو هلك حقيقة، وقال الوارث: إن (٢٢١أ٤) الميت أوصى ببزيع، تنفذ الوصية في بزيع بقدر ثلث ما بقي من التركة وهو ثلث العبدين؛ فكذا هاهنا.
والجواب عن هذا أن يقال بأن القاضي لما قضى بوصية سالم، فقد قضى بجميع ما يملك الموصى الإيصاء به، لأن القاضي إنما يقضي بالوصية بقدر الثلث، فإذا قضى بوصية سالم، وسالم ثلث ماله، فقد امتاز ما يملك الميت الإيصاء به، ولم يبق في يد الوارث شيء مما يملك الميت الإيصاء به فجعل الابن مقراً له بالوصية بما لا يملك الميت الإيصاء به، فرفع إقراره لغواً، ثم إذا قضى القاضي بسالم لصاحب البينة لو اشترى الوارث سالماً بزيع، جاز الشراء وكان ينبغي أن لا يجوز؛ لأن من زعم الوارث أن صاحب البينة أخذ سالم بغير حق، وأنه لم يصر ملكاً له بل بقي على حكم ملك الميت، وصار ملكاً للمقر له، وصار الوارث مشترياً ما هو يملكه بملك غيره أولى.
قلنا في زعم الوارث: أن سالماً صار ملكاً لصاحب البينة ظاهراً عند محمد، وإحدى الروايين عن أبي حنيفة فإن في القضاء بالوصية بشهادة الزور روايتان؛ عن أبي حنيفة في رواية ينفذ ظاهراً لا باطناً كما في الأملاك المرسلة، وفي رواية ينفذ ظاهراً وباطناً، وإذا صار سالم ملكاً لصاحب البينة ظاهراً وباطناً بقي بزيع على ملك الوارث ظاهراً وباطناً حتى لا تزداد الوصية على الثلث.
ولهذا لو باع الوارث بزيعاً من غيره يجوز وطريقه ما قلنا؛ ولما كان هكذا كان في زعم الوارث أنه يشتري ما هو ملك غيره ظاهراً، وباطناً، أو ظاهراً لا باطناً، ولو كان في