للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجمعوا أنه لو نام في الصلاة واحتلم لا يجوز له البناء استحساناً، وأجمعوا على أنه لو أغمي عليه أوجن في الصلاة لا يجوز له البناء، احتج الشافعي رحمه الله في المسألة، وقال هذا حدث وجد في وسط الصلاة، فيمنع البناء مقاساً على الحدث العمد، والاحتلام في النوم والجنون والإغماء، هذا لأن الطهارة كما هي شرط صحة التحريمة فهي شرط بقاء التحريمة؛ لأن المقصود لا يحصل بدون الطهارة، فكما لا يتحقق شروعه في الصلاة بدون الطهارة، فكذلك بقاؤها؛ لأن الحدث منافٍ للصلاة، قال عليه السلام: «لا صلاة إلا بطهور» ولا بقاء للعبادة مع وجود ما ينافيها، والدليل عليه أنه لو أخلد ساعة بعدما أحدث ثم انصرف وتوضأ لا يبني، فكذلك ها هنا.

وعلماؤنا رحمهم الله قالوا القياس ما قال الشافعي رحمه الله، إلا أنا تركنا القياس بالأثر، وهو ما روي عن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه السلام أنه قال: «من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته، فلينصرف وليتوضأ، وليبنِ على صلاته ما لم يتكلم» وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «من قاء أو رعف انصرف وتوضأ وليبنِ على صلاته ما لم يتلكم» .

وفي المسألة إجماع في صلاة الصحابة رضوان الله عليهم، فإنه روي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وابن عباس وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وسلمان الفارسي رضوان الله عنهم أجمعين أنهم قالوا مثل قولنا، وترك علماؤها القياس بهذه الآثار وبقينا التحريمة بالآثار بخلاف القياس، والآثار وردت في الحدث السماوي، فلا يقاس عليه الحدث العمد؛ لأن الحدث العمد فوق السماوي.

ألا ترى أن الشرع ما أوجب القضاء والكفارة في أكل الناسي، وأوجب في أكل العامد فنأخذ (به) ولا نقيس هذا على ذلك فكذلك ها هنا (٧٧أ١) .

والدليل على الفرق بينهما: أن في الحدث العمد يأثم، وها هنا لا يأثم وليس هذا كالاحتلام؛ لأنا عرفنا البناء في الحدث الصغرى بخلاف القياس، والنص الوادر في شيء يكون وارداً لما هو مثله أو دونه، (أو ما لا) يكون وارداً فيما هو فوقه، والجنابة فوق الحدث الصغرى فالنص الوارد ثم لا يكون وارداً ها هنا.

وليس هذا كالإغماء والجنون؛ لأنه إذا أغمي عليه أو جن صار محدثاً من ساعته، وكما صار محدثاً لا يمكنه الانصراف في تلك الساعة نفسها به، بل يمكث ساعة ثم يفيق، والمفيق إذا سبقه الحدث في الصلاة، فمكث ساعة ثم انصرف تفسد صلاته فلا يمكنه البناء بعد ذلك؛ وهذا لأنه متى مكث ساعته يصير مؤدياً جزءاً من الصلاة مع الحدث، وأداء الصلاة مع الحدث لا تجوز، ففسد ما أدى، وإذا أفسد ما أدى يفسد الباقي ضرورة، وإن كان مقتدياً يذهب ويتوضأ، وإن كان فرغ من الوضوء قبل أن يفرغ

<<  <  ج: ص:  >  >>