وصيانة القرآن عن مثل هذا واجب، فإذا خافت فيما يجهر أو جهر فيما يخافت فقد ترك واجباً من واجبات الصلاة فيلزمه سجود السهو، وأما هيئة الفعل فمن مشايخنا رحمهم الله من قال: هيئة الفعل واجبة إذا تركها اختياراً ساهياً يجب سجود السهو، ومن مشايخنا من قال: عرفنا الأخذ بالركب سنّة لحديث عمر رضي الله عنه فإنه قال: سن لكم الركب نقيس عليه هيئات سائر الأفعال.
وأما الحديث فتأويله أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمكان يقول ذلك عمد السنن أن القراءة مشروعة في الظهر والعصر، ومع العمد لا يجب سجود السهو عندنا في ظاهر رواية «الأصل» سوى بين الجهر والمخافتة، فقال: إذا جهر فيما يخافت أو خافت فيما يجهر فعليه سجود السهو من غير تفضيل، وذكر في «النوادر» : أنه إن جهر فيما يخافت فلعليه السهو قل ذلك أو كثر.
وإن خافت فيما يجهر إن كان ذلك في فاتحة الكتاب أو في أكثرها فعليه السهو وإلا فلا.
وإن وقع هذا في سورة أخرى إن خافت ثلاث آيات أو آية طويلة عند الكل أو آية قصيرة عند أبي حنيفة رحمه الله فعليه السهو، وإلا فلا، وهذا لأن حكم الجهر فيما يخافت غلط من حكم المخافتة فيما يجهر؛ لأن حكم الشرع في ابتداء الإسلام الجهر في الصلاة كلها الصلاة ثم انتسخ الجهر في البعض دون البعض، فإذا جهر فيما يخافت فقد عمل بالمنسوخ خف حكمه، ولأن للصلاة بالجهر حظاً من المخافتة حتى يخافت بالفاتحة في الآخرين.
وكذلك المنفرد يتخير بين الجهر والمخافتة، فأما صلاة المخافتة لا حظ لها من الجهر والمنفرد لا يتخير فأوجبنا السهو في الجهر قل أو كثر، وشرطنا الكثير في المخافتة، ففي الفاتحة شرطنا أكثرها؛ لأنها إن كانت قولها على الحقيقة أقيم مقام الدعاء في الآخرين.
ولو كان دعاء من كل وجه لا يجب عليه السهو بتغيير هيئة، وإذا كان دعاء من وجه أوجب.... فاكتفي فيها بما يتعلق به جواز الصلاة.
ووجه التسمية على رواية «الأصل» ما ذكرنا أن الجهر على الإمام في صلاة الجهر واجب، وكذلك المخافتة في صلاة المخافتة واجب عليه، فإن ذلك ترك فقد ترك الواجب، وقيل ما ذكر في كتاب الصلاة قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن جواز الصلاة عنده يستوي فيه القليل والكثير.
وذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله فيما إذا جهر فيما يخافت أو خافت فيما يجهر أنه إذا فعل ذلك مقدار ما تجوز به الصلاة من فاتحة الكتاب أو غيرها فعليه السهو، وما لا فلا، وأما المنفرد فلا سهو عليه، أما إذا خافت فيما يجهر؛ لأنه ما ترك واجباً من واجبات الصلاة، لأن الجهر غير واجب عليه، ولهذا خير بين الجهر والمخافتة.