وقد روى أنس رضي الله «أن رسول الله عليه السلام كان ينضح إزاره بالماء إذا توضأ، وقال: نزل جبريل صلوات الله عليه وأمرني بذلك» ، قالوا: هذا الاحتيال إنما ينفعه إذا كان العهد قريباً بحيث لم يجف البلل، فأما إذا مضى عليه زمان ثم رأى بللاً، فإنه يعيد الوضوء؛ لأنه لا يمكننا الإحالة على ذلك الماء والله أعلم.
ومما يتصل بهذا الفصل بيان أحكام المحدث
المحدث لا يمس المصحف ولا الدرهم الذي كتب عليه القرآن، لقوله تعالى:{لا يمسه إلا المطهرون}(الواقعة: ٧٩) ، ولا بأس بأن يقرأ القرآن، لما روي عن بعض الصحابة أن رسول الله عليه السلام:«كان لا يحجزُهُ شيء عن قراءة القرآن إلا الجنابة» .
والمعنى في الفرق بين القراءة والمس أن الحدث حل باليد دون الفم، ولهذا يفرض على المحدث إيصال الماء إلى اليد ولا يفترض عليه إيصال الماء إلى الفم. وإن أراد أن يغسل اليد ويأخذ المصحف لا يحل له ذلك؛ لأن الحدث لا يتجزأ زوالاً وثبوتاً.
وكما لا يحل له مس الكتابة لا يحل له مس البياض أيضاً، وإن لمس المصحف بغلافه فلا بأس به، والغلاف الجلد الذي عليه المتصل عند بعض المشايخ، وعن بعضهم المنفصل كالخريطة ونحوها؛ لأن المتصل بالمصحف من المصحف، ولهذا يدخل في بيع المصحف من غير ذكر.
وإن مس المصحف بكمه أو ذيله لا يجوز عند بعض المشايخ؛ لأن ثيابه تبع لبدنه ألا ترى لو قام على النجاسة في الصلاة، وفي رجليه نعلان أو جوربان، لا تجوز صلاته، ولو فرش نعليه أو جوربيه وقام عليهما جازت صلاته، وألا ترى أن من حلف لا يجلس على الأرض فجلس عليها وبينه وبينها ثيابه يحنث في يمينه واعتبر ثوبه تبعاً له حتى لم يعتبر حائلاً، وأكثر المشايخ على أنه لا يكره؛ لأن المحرم هو المس، وإنه اسم للمباشرة باليد بلا حائل، ألا ترى أن المرأة إذا وقعت في طين وردغة حل للأجنبي أن يأخذ يدها بحائل ثوب، وكذا حرمة المصاهرة لا تثبت بالمس بحائل، وفي باب اليمين المعتبر هو العرف، وفي العرف يعتبر الجالس في ثيابه على الأرض جالساً على الأرض.
ويكره له مس كتب التفسير، وكذلك يكره له مس كتب الفقه، وما هو من كتب الشريعة؛ لأنه لا يخلو عن آيات القرآن وإن لم يكن فيها آيات (أ١) القرآن، ففيها معنى القرآن، والمشايخ المتأخرون وسعوا في مس كتب الفقه بالكم للبلوى والضرورة.
وكره بعض مشايخنا دفع المصحف واللوح الذي عليه القرآن إلى الصبيان، وعامة المشايخ لم يروا به بأساً........... التوضؤ وفي التأخير تضييع القرآن، ويكره