جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً} (النساء: ١٠٢) لإدراك الناس فضيلة الصلاة خلف رسول الله عليه السلام، وليس للصلاة خلف غير الرسول من الفضيلة بالصلاة خلف الرسول، فردت صلاة الخوف في زماننا إلى أصل القياس.
وجه ظاهر الرواية: أن الصحابة صلوا صلاة الخوف بعد رسول الله عليه السلام، روي عن سعيد بن أبي العاص أنه حارب المجوس بطبرستان ومعه الحسن بن علي، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عمرو بن العاص فقال: أيكم شهد صلاة الخوف مع رسول الله عليه السلام، فقال حذيفة: أنا، فقام وصلى بهم صلاة الخوف، وروي عن أبي موسى الأشعري أنه صلى صلاة الخوف..... ولم ينكر عليهما أحد فحل محل الإجماع.
والذي قال: بأن صلاة الخوف إنما شرعت في زمن رسول الله عليه السلام لإدراك الناس فضيلة الصلاة خلف رسول الله فاسد؛ لأن ترك المشي والاستدبار في الصلاة فريضة، والصلاة خلف النبي عليه السلام فضيلة وسنّة؛ لأنه تجوز الصلاة خلف غيره، ولا يجوز ترك الفرض لإحراز الفضيلة، فلا يحال بجواز صلاة الخوف على ما قلتم، وإنما يحال على نفس الخوف؛ لأن للخوف أثراً في إسقاط الفرض، والخوف متحقق في زماننا حسب تحققه في زمن الرسول عليه السلام، فتثبت الشرعية في زماننا حسب ثبوتها في زمن الرسول عليه السلام.
وكيفية صلاة الخوف: أن يجعل الإمام الناس طائفتين طائفة بإزاء العدو، وطائفة يفتتح الصلاة بهم ويصلي بهم، ويصلي بكل طائفة شطر الصلاة، فإن كانت الصلاة من ذوات الأربع كالظهر والعصر والعشاء في حق المقيم يصلي بالطائفة التي معه ركعتين، وتتشهد وتنصرف هذه الطائفة من غير سلام، ويقفون بإزاء العدو، وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم بقية الصلاة، ويتشهد ثم يسلم الإمام؛ لأنه تمت صلاته وتنصرف هذه الطائفة بغير سلام، ويقفون بإزاء العدو، ثم تعود الطائفة الأولى، فيقضون بقية صلاتهم بغير قراءة؛ لأنهم مدركون أول الصلاة، ويتشهدون ويسلمون ويذهبون، ثم تعود الطائفة الثانية فيقضون بقية صلاتهم بقراءة؛ لأنهم مسبوقون، ويتشهدون ويسلمون، وإن كانت الصلاة من ذوات المثنى نحو الفجر في حق الكل، والعصر والعشاء في حق المسافر صلى بكل طائفة ركعة على نحو ما بينا.
وإن كانت الصلاة من ذوات الثلاث نحو المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة على نحو ما بينا؛ لأن حظ كل طائفة من صلاة الخوف الشطر وشطر المغرب ركعتان بدليل أن القعدة المشروعة عقيب الشطر شرعت في الغرب عقيب الركعتين؛ ولأن للطائفة الأولى حظاً من الركعة الثانية، والركعة الواحدة مما لا يتجزأ فرجحنا الطائفة الأولى بحكم السبق.