ذلك يجوز ويجعل ذلك تبعاً للحوض والنهر هكذا قيل. وقيل: لا يجوز التوضؤ فيه ولا يجعل تبعاً للحوض والنهر على كل حال.
حوض صغير كرى رجل منه نهراً وأجرى الماء فيه وتوضأ، ثم اجتمع ذلك الماء في مكان آخر فكرى منه رجل نهراً آخراً وأجرى فيه الماء وتوضأ جاز وضوء الكل إذا كان بين المكانين قليل مسافة وكذلك حفرتان يخرج الماء من إحداهما ويدخل في الأخرى فتوضأ إنسان فيما بينهما، فإن كان بين الحفرتين قليل مسافة فماء الحفرة الثانية طاهر، هكذا قال خلف بن أيوب ونصر بن يحيى، وإن لم يكن بينهما مسافة فماء الحفرة الثانية نجس. وكذلك في الحوض إذا لم يكن بين المكانين مسافة لا يجوز وضوء الثاني.
والفرق: أنه إذا كان بين المكانين مسافة فالماء الذي استعمله الأول يرد عليه ماء جار قبل اجتماعه في المكان الثاني فلا يظهر فيه حكم الاستعمال، فأما إذا لم يكن بينهما مسافة فالماء الذي استعمله الأول لا يرد عليه ماء جار قبل أن يجتمع في المكان الثاني فيظهر فيه حكم الاستعمال فلا يطهر بعد.
وعلى قياس مسألة الثقب ينبغي أن تشترط المسافة على قول بعض المشايخ. وصورة تلك المسألة: المسافر إذا كان معه ميزاب واسع ومعه إداوة من ماء يحتاج إليه ولا يتيقن وجود الماء لكنه على طمع من ذلك ماذا يصنع؟ قيل: ينبغي أن يأمر أحداً من رفقائه حتى يصب الماء في طرف من الميزاب وهو يتوضأ، وعند الطرف الآخر من الميزاب إناء طاهر يجتمع فيه الماء فإنه يكون الماء طاهراً وطهوراً.
هذا قول بعض المشايخ، وبعض المشايخ رفضوا ذلك وقالوا: الماء بالجري إنما لا يصير مستعملاً إذا كان له مدد العين والنهر وما أشبههما أما إذا لم يكن له مدد فلا، ويجوز للرجل أن يتوضأ من الحوض الذي يخاف أن يكون فيه قذر أو لا يستيقن به قبل أن يسأل عنه وليس عليه أن يسأل. ولا يدع التوضؤ حتى يستيقن أن فيه قذر للأثر.
وإذا أسِن ماء الحوض وهو كثير ولا يعلم بوقوع النجاسة فلا بأس بالتوضؤ منه لأن الماء قد يتغير بطول الزمان، وقد يتغير بوقوع الأوراق فيه فالتغير لا يدل على وقوع النجاسة فيه لا محالة، فيجوز التوضؤ منه والله أعلم.
(نوع آخر) في ماء الآبار
البئر عندنا بمنزلة الحوض الصغير يفسد ماؤه بما يفسد به ماء الحوض الصغير لأن عرض الآبار في الغالب يكون أقل من عشر في عشر حتى لو كان بئراً عرضه عشرة في عشرة لا يحكم بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير لون الماء أو طعمه أو أثره.
وفي «نوادر ابن رستم» عن محمد رحمه الله أنه قال: اجتمعت أنا وأبو يوسف على أن نحكم على ماء البئر أنه لا يتنجس لأنه ماء جار ثم قلنا: وما علينا أن نأمر بنزح دلاء على ما جاءت به الأخبار حتى نتبع السلف فنكون قد حكمنا فيه بالأمرين. أشار إلى أن قضية القياس بالآبار والآبار تأتي من بعد، وإنما جاء ماء آخر جار لأنه ينبع من جانب ويستخرج من جانب.