أصل الوجوب ثابت قبل القبض بالإجماع إن لم يكن وجوب الأداء ثابتاً، فباعتبار أصل الوجوب يصير مستهلكاً، وباعتبار وجوب الأداء لا يصير مستهلكاً، فرجحنا جانب الاستهلاك ليمكننا إيجاب الضمان احتياطاً لأمر العبادة.
الوجه الثاني: إذا كان الموهوب له فقيراً، فهذا على وجهين أيضاً:
الوجه الأول: أن يهب كل الدين منه، وإنه على وجهين أيضاً: أما إن لم ينو الزكاة، وفي هذا الوجه يجزئه عن زكاة هذا الدين استحساناً. ولو كان مكان الهبة صدقة يجزئه عن زكاة هذا الدين قياساً واستحساناً. هكذا ذكر في «الجامع» ، وذكر القدوري في كتابه «فضل الصدقة» ، وجعل على القياس والاستحسان كالهبة.
أما الكلام في الصدقة، فوجهه: أنه وجد أصل نية العبادة؛ لأن الصدقة ما ينبغي بها وجه الله إلا أنه لم يوجد نية الفرض، لكن نية الفرض مستغنى عنها لكون النصاب متعيناً. يوضحه: أن قدر الزكاة من النصاب صار حقاً للفقير، فإذا وصل ليد الفقير بأي طريق ما وصل يقع عن المستحق على ما عرف.
وفي «المنتقى» : روى المعلى عن أبي يوسف: رجل له مائتا درهم حال عليها الحول، فتصدق بها كلها، ولا نية له، فعليه أن يتصدق بخمسة دراهم لزكاتها. وروى ابن سماعة عنه أنه يجزئه عن الزكاة.
أما الكلام في الهبة فإنما لم يجزه عن زكاة هذه الدراهم ... قياساً؛ لأنه لم يوجد نية القربة أصلاً، ويجزئه استحساناً؛ لأن نية المال من الفقير يقصد بها أيضاً مرضاة الله تعالى، فصارت الهبة من الفقير والتصدق عليه سواء.
الوجه الثاني: إذا وهب كل الدين ممن عليه ناوياً الزكاة، وإنه على ثلاثة أوجه: إما إن نوى زكاة العين الذي عنده، وأنه لا يجزئه قياساً واستحساناً؛ لأنه أدى الكامل بالناقص؛ لأن الدين في المالية أنقص من العين على ما عرف، وأداء الكامل بالناقص لا يجوز؛ ولأن النصاب إذا كان عيناً، فالواجب تمليك جزء منه من كل وجه، وهبة الدين لمن عليه تمليك من وجه، إسقاط من وجه، ولهذا يصح من غير قبول وإنما يصح من حيث أنه إسقاط، والتمليك من وجه دون التمليك من كل وجه، والشيء لا يتأدى بما دونه.
وإما إن نوى زكاة دين آخر له على رجل آخر، وإنه لا يجزئه أيضاً قياساً واستحساناً؛ لأن الدين الآخر بمحل أن يصير عيناً بالقبض، والدين الموهوب له ليس بمحل أن يصير عيناً، فيصير مؤدياً الدين عن العين باعتبار المال، وقد ذكرنا أن أداء الدين عن العين لا يجوز.
وإما أن يؤدي زكاة هذا الدين، وفيه قياس واستحسان، القياس: أن لا يجزئه؛ لأن الواجب في باب الزكاة التمليك من كل وجه، ولهذا لا يتأدى بالإعتاق، وهبة الدين إسقاط من وجه على ما مر.