قال القدوري أيضاً: وُكِلَ للعامل أخذ العمالة، وإن كان غنياً، ولم يذكر ما إذا كان العامل هاشمياً، وذكر الكرخي والطحاوي والجصاص أنه لا يحل له ذلك عند علمائنا؛ لأن المأخوذ من أجر الصدقة، فتكون فيه شبهة الصدقة، قلنا: والشبهة في هذا الباب تعمل على الحقيقة في حق الهاشمي منها؛ لقرابة النبي صلى الله عليه وسلّم ولا تعمل عمل الحقيقة في حق غيره، ألا ترى أن الصدقة حرمت على مولى الهاشمي الغني، ولم تحرم على مولى الغني.
وفي «المنتقى» : رجل من بني هاشم استعمل على الصدقة، ونوى له فيها رزق، فإنه لا ينبغي أن يأخذ من ذلك، وإن عمل فيها ورزق من غيرها، فلا بأس بذلك.
وأما المؤلفة قلوبهم: فهم قوم من المشركين كان رسول الله عليه السلام يعطيهم شيئاً تألفاً لهم حين كان بالمسلمين ضعف وبالكفار قوة، وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلّمسقط ذلك لوقوع الاستغناء عن تألفهم لما كثر أهل الإسلام وقوي حالهم، وهو معنى ما نقل عن الشعبي قال: انقطع الرأي بوفاة رسول الله عليه السلام.
وأما الرقاب فالمراد منه المكاتبون، هكذا روي عن علي رضي الله عنه، فالله تعالى جعل لهم سهماً من الصدقة عوناً لهم على أداء المكاتبة، وهو المراد من قوله تعالى:{وآتوهم من مال االذي آتاكم}(النور: ٣٣) وعن هذا قلنا: يجوز صرف الزكاة إلى مكاتب غيره.
وأما الغارمون: فهم الذين لزمهم الدين، فهم محل الصدقة، وإن كان في أيديهم مال إذا كان ذلك المال لا يزيد على الدين قدر مائتي درهم فصاعداً؛ لأن مقدار الدين من ماله مستحق بحاجته الأصلية، فيجعل كالمعدوم، كالماء المستحق بحاجة العطش، وما وراء ذلك إذا كان لا يبلغ مائتي درهم لا يعتبر في جريان الصدقة على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وأما قوله:{وفي سبيل ا}(التوبة: ٦٠) قال القدوري: في «كتابه» قال أبو يوسف: المراد به فقراء الغزاة، وقال محمد: الحاج المنقطع، وذكر بعض مشايخنا في شرح «الجامع الصغير» أراد الغازي والحاج المنقطع على قول من يقول: إن المراد هو الغازي فقير رقبة أو يداً لا رقبة؛ بأن كان منقطعاً عن ماله، فيكون فقيراً يداً غنياً رقبة، أما إذا كان غنياً رقبة ويداً، فلا يحل له الأخذ، والمراد من قوله عليه السلام:«لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة» ، وذكر من جملتهم الغازي الغني بقوة البدن، والقدرة على الكسب لا الغنى بملك المال، والغازي وإن كان مكتسباً مستغنياً به يحل له أخذ الصدقة؛ لأن الكسب أقعده عن الجهاد.