بالصرف إلى هذه الوجوه، فيكون لصاحب المال ثواب الصدقة، ولذلك الفقير ثواب هذه القُرَب، ولا يعطي منها غنياً ولا ولد غني إذا كان صغيراً، وإن كان كبيراً فقيراً جاز الدفع إليه، وهذا لأنه إذا كان صغيراً يعد غنياً بمال أبيه؛ لأن كفايته عليه، ولا كذلك ما إذا كان كبيراً، فهو ليس بغني بغنى الأب؛ لأن كفايته ليس على الأب هكذا. ذكر القدوري في «كتابه» .
وبعض مشايخنا ذكروا في «شرح الجامع الصغير» خلافاً في المسألة، فذكر أن على قول أبي حنيفة يجوز الدفع إلى أولاد الأغنياء إذا كانوا فقراء صغاراً كان الأولاد، أو كباراً، وعلى قول أبي يوسف ومحمد يجوز الدفع إلى الكبار، ولا يجوز الدفع إلى الصغار، وبه أخذ جلال الرازي، وجه قولهما ما ذكرنا.
وجه قول أبي حنيفة أنهم فقراء حقيقة، ووجوب النفقة على غيرهم يدل على فقرهم لا على غناهم؛ لأن الغني لا يستوجب النفقة على الغير، وقال الفقيه أبو بكر الأعمش: إذا كان الأب يوسع عليهم في النفقة لا يجوز الدفع إليهم، وإن كانوا كباراً، وروى أبو سليمان عن أبي يوسف لو أعطي من الزكاة صبياً فقيراً، أبوه غني أو كبير زمناً، أو أعمى لا يعتمل له، وهما في عيال الأب لم يجز، وإن لم يكن الزمن في عياله جاز، وكذلك إذا كانت بنتاً كبيرة في عياله جاز الدفع إليها، هو لفظ «المنتقى» .
وفي «الحاوي» سئل الفقيه عمن دفع زكاة ماله إلى بنت رجل غني، والابنة فقيرة كبيرة، ولها زوج، أو ليس لها زوج، قالوا: قال بعضهم: يجوز، وقال بعضهم: لا يجوز، وعن أبي يوسف أنه قال: إذا كان الأب من المكثرين لا يجوز، قال: وكذلك الاختلاف في المرأة لرجل غني، والمرأة فقيرة، فسئل الفقيه، وكيف يفتي الفقيه في هذين القولين؟ قال: لا أفتي بأحدهما لكن أذكر الاختلاف.
وفي «العيون» : إذا كان ولد الغني بالغاً جاز الدفع إليه، ذكراً كان أو أنثى، صحيحاً كان أو زمناً، قال: وكذا الأب إذا كان محتاجاً، والابن موسر جاز الإعطاء إلى الأب، قال القدوري في كتابه: وقال أبو حنيفة ومحمد: يجوز الدفع إلى امرأة الغني إذا كانت فقيرة، وعن أبي يوسف: أنه لا يعطي امرأة الغني إذا قضي لها بالنفقة؛ لأنها غنية بمال الزوج، فتستحق النفقة عليه، فهي نظير ولد صغير لغني، إلا أنه شرط القضاء بالنفقة؛ لأن الاستغناء به يتأكد؛ لأن النفقة بدون قضاء القاضي لا تصير ديناً على الزوج، ولهما أن المرأة لا تصير غنية بمقدار ما يقضى لها من النفقة، فإن لها حوائج أخر سوى النفقة تستحق بملك على الزوج، وبه فارق الصبي، ولا يجوز الصرف إلى عبد الغني ومدبره وأم ولده؛ لأن الملك يقع للمولى بالصرف إليهم، وعن أبي يوسف أنه إذا أعطى عبداً زمناً، وليس في عيال مولاه، ولا يجد شيئاً أجزأه، ولو دفع إلى مكاتب الغني يجوز؛ لأن الملك لا يقع للمولى في مكاتبه إلا بعد العجز، وأنه موهوم.
وفي «المنتقى» : عن أبي يوسف إذا أعطي عبد الغني من الصدقة، والمولى غائب جاز وإن كان المولى غنياً، وفي «الجامع الأصغر» : سئل عبد الكريم عمن دفع زكاة ماله