للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاز أيضاً، وإن كان يحتسب لا يجوز؛ لأن هذا أداء الواجب بواجب آخر.

وقال في «الحاوي» : قال أبو بكر الإسكاف: لو دفع الزكاة إلى أخته، وهي في عياله جاز، وكذلك لو فرض الحاكم عليه نفقتها جاز من الزكاة، والنفقة جميعاً، قال به، وقيل: لم يجز بعد الفرض.

وفي «المنتقى» عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: رجل فرض عليه القاضي نفقة قرابته، وأعطاه من زكاة ماله جاز.

وكذلك إذا نوى أن تصير (١٣٩ب١) .h

النفقة التي ينفق عليهم بأمر القاضي من زكاته أجزأه، وذكر عن الحسن بن مالك عن أبي يوسف: إن نوى بما يعطيهم ما فرض القاضي عليه لم يجز، ووجهه ما ذكرنا أن هذا أداء الواجب بواجب آخر، ووجه ما روي عن أبي حنيفة: أن بعد فرض القاضي ما تغيرت ماهية النفقة، فإنها صلة شرعاً، فلا يمنع وقوعها عن الزكاة، ألا ترى أن على أصله من اشترى أباه ناوياً عن كفارة يمنه أجزأه عن الكفارة، وهذا الشراء واجب صلة للقرابة ثم وجوبه بجهة الصلة لم يمنع وقوعه بجهة الكفارة، كذا ههنا.

أبو سليمان عن أبي يوسف: رجل له مائة ألف وعليه مائة ألف، قال: استحسن أن لا يعطى من الزكاة، وإن أعطي أجزأه من المعطي.

وفي «فتاوى ما وراء النهر» سئل الشيخ الإمام الزاهد أبو حفص الكبير عمن يعطي الزكاة إلى الفقراء أحب إليك، أم إلى من عليه دين ليقضي دينه؟ قال: إلى من عليه دين.

وفي «الواقعات» للناطفي: ولا ينبغي لأحد أن يسأل إليك وعنده قوت يومه؛ لأن السؤال لا يجوز إلا لضرورة. قال محمد رحمه الله: في «الأصل» إذا أعطى زكاة ماله مائتي درهم أو ألف درهم إلى فقير واحد، فإن كان عليه دين مقدار ما دفع إليه، أو كان صاحب عيال يحتاج إليه للإنفاق عليهم، فإنه يجوز ولا يكره، وإن لم يكن عليه دين، ولا صاحب عيال، فإنه يجوز عند أصحابنا الثلاثة، ويكره، وقال زفر: لا يجوز، وذكر في «الجامع الصغير» وقال أبو يوسف: يجوز في المائتين، ولا يجوز في الزيادة عليها.

وجه قول زفر: أن الغنى صارت ههنا؛ لأن الغنى حكم الأداء، والحكم يقارن العلة، فيحصل الأداء إلى الغني، ولعلمائنا الثلاثة على ما ذكر في «الأصل» ، أن الأداء يلاقي كف الفقير من كل وجه، وإنما ثبت الغنى بعد ذلك حكماً للأداء، إلا أن الأداء يلاقي كف الغني من وجه، وكف الفقير من وجه.

بيانه: أن الغنى حكم الملك، والملك إنما ثبت بعد تمام التمليك، فكان الغنى متأخراً عن التمليك، فلا يصلح مانعاً من التمليك؛ لأن المانع من الشيء سابق عليه، ولا يكون متأخراً عنه إلا أنه يكره؛ لأن الغنى أفضل بالدفع، ولهما به منع الجواز، فإذا اتصل به، وقرب منه أوجب الكراهة.

قال في «الجامع الصغير» : ولا بأس بأن يعطي أقل من مائتين، وأن يغني به إنساناً واحداً أحب من أن يفرقها، لم يرد بقوله: وأن يغني إنساناً أحب إلى الغنى المطلق؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>