للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزكاة، وورث عنه، وقوله: أرفق بالناس؛ لأن أموال الناس لا تخلو عن قليل غصب.

قال محمد في «الأصل» : قوم من الخوارج غلبوا على قوم من أهل العدل، وأخذوا صدقات السوائم، ثم ظهر عليهم الإمام، لا يكون له أن يأخذ الزكاة منهم ثانياً. من المشايخ من قال: إنما لا يكون للإمام ذلك؛ لأن حق الأخذ للإمام بسبب الحماية حتى اختص الأخذ بالأموال التي تكون محمياً بحماية الإمام، نحو السوائم وأموال التجارة التي تكون في المفاوز والأسفار، ولا يثبت حق الأخذ في الأموال الباطنة التي تكون في البلدان؛ لأنها لا تكون محمية بحماية الإمام، والإمام في هذه الصورة لم يحمهم، فلا يثبت له حق الأخذ منهم.

ومن المشايخ من قال: إنما لا يكون للإمام ذلك لا؛ لأن حق الأخذ للإمام بسبب الحماية، بل لأن حق الأخذ للإمام بسبب ولاية أثبتت له بالشرع، ألا ترى أن أخذ الصدقات من الأموال الباطنة كان مفوضاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكذلك في زمن أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما كان أخذ الصدقة من الأموال الباطنة مفوضاً إلى الإمام؟ إلا أن عثمان رضي الله عنه في زمنه فوض ذلك إلى أربابها لمصلحة رأى في ذلك، ولما كان حق الأخذ للإمام بسبب الولاية، فنقول: ولايته قد انقطع بسبب تخلية الخوارج، فيبطل حقه في الأخذ، وهل يؤمر أرباب الأموال بالأداء ثانياً، فيما بينهم وبين الله تعالى؟ فالمسألة على وجوه:

الأول: إذا علموا أنهم صرفوا الصدقات إلى الفقراء، وفي هذا الوجه لا يؤمرون بالأداء ثانياً، فيما بينهم وبين ربهم؛ لأنه وصل الحق إلى مستحقه.

الوجه الثاني: إذا علموا بأنهم لم يصرفوها إلى الفقراء، إنما صرفوها إلى شهوات أنفسهم، وفي هذا الوجه يؤمرون بالأداء ثانياً.

الوجه الثالث: إذا لم يعلم من حالهم أنهم ماذا يصنعون بما يأخذون؟ وفي هذا الوجه روايتان: وجه الرواية التي قال: يؤمرون بالأداء ثانياً؛ لأن الحق لم يصل إلى المستحق، ولا إلى نائبه، أما إلى المستحق فظاهر، وأما إلى نائبه؛ فلأن السلطان إنما يصير نائباً عن الفقراء في الأخذ إذا كان يأخذ للفقراء، والخارجي لم يأخذ للفقراء إنما أخذ لنفسه، وجه الرواية التي قال: لا يؤمرون بالأداء ثانياً أن ظاهر البغي، إن كان يدل على الصرف إلى شهوات نفسه، فظاهر العقل والإسلام يدل على الصرف إلى الفقراء، وظاهر العقل والإسلام أدل من ظاهر البغي، فقد وصل الحق إلى باب المستحق، فلا يؤمرون بالإعادة ثانياً ذلك لتهمة البغي يندبون إلى الإعادة وفي «فتاوى أبي الليث» السلطان الجائر إذا أخذ صدقات السوائم فهذا على وجهين:

إما أن ينوي المؤدي عند الأداء الصدقة عنهم، وفي هذا الوجه اختلف المتأخرون منهم قال مفتي أرباب الصدقات بالأداء ثانياً بينهم وبين الله تعالى؛ لأنهم لا يصرفون الصدقات إلى مصارفها. قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: لا يؤمرون بالأداء ثانياً؛ لأن أخذ السلطان منهم صح لأن ولاية الأخذ له، فسقطت الصدقات عن أربابها، فلا يعود

<<  <  ج: ص:  >  >>