وكذا لا يتركون أن يلبسوا أقبية خشنة من كراس، أراد أنها طويلة وذيولهم قصيرة، وكذلك يلبسون قمصاً خشنة من كربيس جيوبهم على صدورهم كما يكون النسوان، وهذا كله إذا وقع الظهور عليهم، فأما إذا وقع معهم الصلح على بعض هذه الأشياء، فإنهم يتركون على ذلك، ثم اختلف المشايخ بعد هذا أن المخالفة بيننا وبينهم شرط بعلامة واحدة أو بعلامتين، أو بالثلاث، قال بعضهم: بعلامة واحدة إما على الرأس كالقلنسوة الطويلة المصرية، أو على الوسط، كالكستيج، أو على الرجل كالنعل والمكعب على خلاف نعالنا ومكاعبنا، لحصول ما هو المقصود وهو التمييز بالعلامة الواحدة، وقال بعضهم: لا بد من الثلاث؛ لأن التمييز لا يحصل بالواحدة لا محالة؛ لأن البصر قد يقع على الرأس لا غير، وقد يقع على الوسط لا غير، وقد يقع على الرجل لا غير، والمقصود هو التمييز وقت اللقاء وقت وقوع البصر عليهم حتى لا يعظمهم، فلا يبدئهم بالسلام، ومنهم من قال: في النصراني يكتفي بعلامة واحدة، وفي اليهود يحتاج إلى علامتين، وفي المجوس يحتاج إلى ثلاث علامات، وإليه مال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله، ووجه ذلك أن هذه العلامات تشعر بالذل والصغار، وإنما صاروا مستحقين للذل والصغار بالكفر، فيزداد بزيادة غلظ الكفر، وينتقص بخفة الكفر، وكفر المجوسي أغلظ من كفر اليهود، والنصارى؛ لأنهم أنكروا نبوة جميع الأنبياء، فشرط في حقهم ثلاث علامات زيادة في ذلهم وصغارهم، وكفر اليهود بعد ذلك أغلط من كفر النصارى؛ لأن اليهود يجحدون نبوة نبيين نبوة نبينا ونبوة عيسى.
والنصارى يجحدون نبوة نبي واحد، وهو نبينا، وكان كفر اليهود أغلظ، فشرط في حقهم علامتان، واكتفي في حق النصراني بعلامة واحدة، قال شيخ الإسلام: والأحسن أن يكون في الكل ثلاث علامات، ليقع الامتياز لا محالة، وكان الحاكم الإمام أبو محمد الكوفي رحمه الله يقول: إن صالحهم الإمام، وأعطاهم الذمة بعلامة واحدة، لا يزاد عليها، وأما إذا فتح بلدة قهراً وعنوة كان للإمام أن يلزمهم بعلامات، وهو الصحيح.m
ولا يتركون حتى يحدثوا كنيسة أو بيعة، وبيت نار في مصر من أمصار المسلمين، قال عليه السلام:«لا كنيسة ولا بيعة في الإسلام» ؛ ولأن في إحداث البيع والكنائس في الأمصار إعلان دين الكفر، ونحن إنما أعطيناهم الذمة بشرط أن لا يعلنوا ما كان في دينهم ولا يمنعون من إحداث الكنائس في القرى في ظاهر الرواية، وروى الحسن عن أبي حنيفة: أنهم يمنعون من إحداث الكنائس في القرى، كما يمنعون من ذلك في الأمصار، وهكذا ذكر محمد في كتاب «العشر والخراج» ؛ لأن في إحداث الكنائس إعلان دين الكفر، وقد منعوا عن إعلان دين الكفر في القرى كما يمنعون عنه في الأمصار، ألا ترى أنهم يمنعون من إظهار الخمور والخنازير ومنع الربا في القرى كما يمنعون عن ذلك في الأمصار؟ فكذا يمنعون عن إحداث الكنائس في القرى كما يمنعون عن ذلك في الأمصار.