وأما إذا أفرد، فحمل للجماجم حصة معلومة من المال يدخل إحدى الوظيفتين في الأخرى حتى أنه إذا قلت الجماجم سقط حصة من قلت، وكذلك إذا هلكت الجماجم جملة سقط حصة الجماجم جملة، ولا يصرف إلى الأراضي شيء من حصة الجماجم، وكذلك إذا كثرت الجماجم، وقل ريع الأراضي، أو بقي على حاله لم يصرف إلى الجماجم شيء من حصة الأراضي.
وإنما كان كذلك؛ لأن الجماجم وإن كانت تابعة للأراضي في حكم المنّ، إلا أنها لما أفردت بالصلح وبالبدل صارت أصلاً، وهلاك بعض الأصل يسقط ما بإزائه من البدل، كما لو اشترى أرضاً فيها نخيل، وسمى لكل واحد ثمناً معلومة، فاحترقت بنخيل قبل القبض، ولو صالحهم الإمام في الابتداء على مال معلوم على أن يأخذ ذلك من الأراضي دون الجماجم، أو من الجماجم دون الأراضي، كان ذلك باطلاً؛ لأن فيه إهمال جماجم الكفار، وإخلاء الأرض النامية عن المؤنة، وذلك باطل، ولكن هذا لا يبطل الذمة؛ لأن عقد الذمة لا يبطل بالشروط الفاسدة، بل يبطل الشرط، ويبقى المال مقابلاً بهما، وصار هذا، وما تقدم سواء.
قال: ولو أسلم أهل هذه الدار التي صالحهم الإمام على مال معلوم يؤدون عن رؤوسهم وأراضيهم سقط عنهم خراج الرؤوس، وخراج الأراضي على حاله، فالإسلام ينافي خراج الرؤوس، أما لا ينافي خراج الأراضي، والأصل في ذلك ما روي أن علياً رضي الله عنه قال لدهقان:«إن أسلمت وضعنا عنك خراج رأسك، وأخذنا منك خراج أرضك» ، وعن عمر رضي الله عنه «أنه أخذ من دهقانة نهر الملك خراج أرضها بعدما أسلمت» ، وعن ابن مسعود، والحسن بن علي، وأبي هريرة، وابن عمر رضي الله عنهم «أنهم اشتروا أراضي خراجية بالسواد، وكانوا يؤدون الخراج عنها» .
وإن أراد الإمام أن يجعل الأراضي عشرية فليس له ذلك، فقد صح أن عمر رضي الله عنه ترك من أسلم من أهل سواد عراق على خراج أرضه، ولم يغير، وهو المقتدى في هذا الباب، ولو فعل ذلك، وحكم به وكان من رأيه ذلك، ثم ولى غيره، ورأى حكمه بعده، وأمضاه؛ لأنه مجتهد فيه، فإن من العلماء من قال: بأن أراضي الكفار بعدما أسلموا تصير عشرية، وهو مالك.
ولو لم يسلم أهل هذه الدار، لكن أراد الإمام أن ينقلهم من دارهم إلى دار قوم من أهل الذمة لا يجوز ذلك إلا بعلة؛ لأنهم لما قبلوا عقد الذمة ليتوطنوا في دارهم، فكان في النقل غدر بهم، والغدر حرام، فلا يفعل الإمام ذلك إلا لعلة، والعلة أن يخاف الإمام عليهم لضعفهم وعجزهم عن دفع الكفار عن أرضهم إن قصدهم، أو يخاف عليهم أن يخبروا الكفار بعورات المسلمين، وإذا فعل إن شاء قوم أراضيهم، وأعطاهم أثمانها، كما