اعلم بأن الكنز اسم لمال مدفون في الأرض دفنه بنو آدم، والمعدن اسم لمال جعلها الله تعالى في الأرضين يوم خلقها، والركاز قد يذكر، ويراد به المعدن وقد يذكر ويراد به الكنز إلا أنه للمعدن حقيقة وللكنز مجاز؛ لأن الركاز مأخوذ من الركز، وهو الإتيان يقال: ركز رمحه في الأرض إذا ثبته فيها، والمثبت في الأرض حقيقة عرق الذهب، فأما الكنز موضوع فيها، وليس بمثبت حقيقة، وأما الكلام في المعدن، فلا يخلو: إما إن وجده في أرض مباحة، أو وجده في أرضه، أو في داره.
فإن وجده في أرض مباحة وجب فيه الخمس، سواء كان معدن ذهب، أو معدن فضة، أو رصاص، أو أصفراً، ولأن له حكم الغنيمة؛ لأن هذه المواضع كانت في أيدي الكفرة ثم وقعت في أيدينا بحكم القهر، فكانت غنيمة، فيجب فيها الخمس، ويكون أربعة أخماسها للواحد، وكان ينبغي أن يكون للمسلمين الغانمين؛ لأن لها حكم الغنيمة.
والجواب: هذا المال كان مباحاً قبل أخذ الغانمين، والمال المباح إنما يملك بإثبات اليد عليه، كالصيد، ويد الغانمين ثابتة في هذا المال حكماً لا حقيقة؛ لأن إثبات اليد على ظاهر الأرض إثبات على باطنها حكماً لا حقيقة، وهو في يد الواحد حقيقة، فاعتبار الحكم إن أوجب الملك للغانمين، فاعتبار الحقيقة لا يوجب الملك لهم، والملك لم يكن ثابتاً لهم، فلا يثبت بالشك والاحتمال، فلا يعطى الأربعة الأخماس حكم الغنيمة في حق الغانمين لهذا المعنى، أما في حق وجوب الخمس أعطيت حكم الغنيمة؛ لأن جهة الحكم توجب الخمس وجهة الحقيقة لا توجب، فيترجح الموجب احتياطاً.
وإن وجده في دار، فليس فيه شيء، وهو لصاحب الدار، وقال أبو يوسف ومحمد: فيه الخمس اعتباراً بالأرض، والجامع بينهما أنه مال معلوم، ولأبي حنيفة رحمه الله: أن الذهب والفضة التي في المعادن من جملة أجر الأرض؛ لأنها قامت مع الأرض، ولهذا يملكه المشتري بشراء الدار، والدار بسائر أجزائها خلف عن حقوق الله تعالى، وصارت ملكاً للمالك.
ألا ترى أنه لا يجب فيها عشر ولا خراج فكذا هذا الجزء وأما الأرض، ففي الموجود فيه روايتان عن أبي حنيفة ذكر في «الأصل» أنه لا يجب فيه شيء، وسوى بين الموجود في الأرض، والموجود في الدار، وجه ذلك أن سائر أجزاء الأرض سلم له بالعشر والخراج، ولا يجب فيها حق آخر، فكذا هذا الجزء.
وذكر في «الجامع الصغير» أن فيه الخمس، وفرق على هذه الرواية بين الموجود في