يقتضي ثبوت الملك للمختط له فاعتبار الحقيقة يقتضي ثبوت الملك للواجد، فيترجح الواجد؛ لأن الحقيقي فوق الحكمي.
ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: أن يد المختط له على الكنز سبقت يد الواجد، فيكون ملكاً له كالمعدن، وهذا لأن اليد على ما في باطن الأرض تثبت حكماً لثبوتها على الظاهر؛ لأن قبل القسمة تلك يد عموم، وبعد الاختطاط تصير يد خصوص، واليد الحكمية تكفي لثبوت الملك في المباح إذا كانت يد خصوص، ولا تكفي إذا كانت يد عموم تعتبر اليد الحكمية باليد الحقيقية، واليد إذا كان يد خصوص تفيد الملك على وجه يكفي لنفاذ التصرف.
ألا ترى أن تصرف الغازي في الغنيمة قبل القسمة لا ينفذ، وبعد القسمة ينفذ، فكذا اليد الحكمية، فيثبت الملك للمختط باليد الحكمية، ثم المختط له إن باع، وتناولته الأيدي لا يبطل ملكه في الكنز؛ لأن البيع تناول الدار، والكنز ليس من أجزاء الدار، والمشتري وإن استولى على الكنز لا يملكه، لأن الكنز للمختط له، وإنه مسلم، ومال المسلم لا يملك بالاستيلاء.
الوجه الثاني: إذا وجد كنزاً في دار الحرب، فاعلم بأن محمداً رحمه الله وضع هذه المسألة في «الجامع الصغير» ، وفي «الأصل» في الركاز، فقال:
m
مسلم دخل دار الحرب بأمان، ووجد في دار بعضهم ركازاً رده عليهم، وإن وجده في الصحراء يريد به موضعاً، لا يكون مملوكاً لأحد كالمغارة ونحوها، فهو له، ولا شيء فيه، قال شيخ الإسلام: أراد بالركاز في هذه المسألة المعدن دون الكنز؛ لأن الموجود في الصحراء إن كان كنزاً يلزمه الرد عليهم؛ لأن الداخل دار الحرب بأمان التزم أن لا يغدر بهم، وفي أخذ الكنز من دارهم غدر وخيانة لما فيه من التعرض بملكهم؛ لأن المدفون ملكهم سواء في الصحراء، أو في دار.
والقدوري ذكر هذه المسألة في «شرحه» ، ووضعها في الكنز، وجعل الجواب فيه على نحو ما ذكره محمد رحمه الله في «الأصل» وفي «الجامع الصغير» ، فهذا يبين لك أن الكنز والمعدن في هذه الصورة واحد.
ووجه ذلك: أن يد صاحب الدار حقيقة، فتعتبر ثابتة على ما في باطن الدار حكماً، والأمان يمنع إزالة يدهم عما فيها، فأما الصحراء، فلا يد لأحد ظاهرة حقيقة حتى تعتبر ثابتة على ما في باطنه حكماً، فلا يمنع الأمان أخذه كما لا يمنع أخذ الحطب والحشيش.
ولا خمس في العنبر والروح الذي يوجد في الجبال، وكذا في الياقوت والزمرد؛ لأنه ليس له حكم الغنيمة؛ لأنه لم يكن في يد أحد، وليس له معدن إنما يوجد بالطلب، فكان كالصيد بخلاف الكنز؛ لأن الكنز كان مملوكاً للكفرة، وكان في أيديهم، ثم كنزوها، فيكون له حكم الغنيمة، فيجب فيه الخمس.
ولا خمس في الذهب والفضة يستخرجان من البحر، وكذلك جميع ما يستخرج من