الفقيه أبو جعفر في «كشف الغوامض» ، وذكر شمس الأئمة الحلواني في شرح كتاب الصوم أنه لا قضاء عليه، وهو الصحيح؛ لأن الليلة لا يصام فيها، وعلى هذا إذا أفاق في ليلة في وسط الشهر، ثم أصبح مجنوناً لا قضاء عليه، وإن أفاق في آخر يوم من رمضان إن أفاق بعد الزوال، فقد اختلفوا فيه.
والصحيح: أن لا يلزمه؛ لأنه لا يصح الصوم فيه، ثم في ظاهر رواية أصحابنا رحمهم الله أنه لا فرق بين الجنون الطارىء، والأصلي إذا أفاق في شيء من الشهر لزمه قضاء ما مضى.
ومن أصحابنا من فرق بين الجنون الأصلي والطارىء، فقال: إن المجنون الأصلي إذا أفاق في بعض الشهر بأن بلغ مجنوناً، ثم أفاق في بعض الشهر لا يلزمه قضاء ما مضى، وهكذا روي عن ابن سماعة في «نوادره» عن محمد ونص في «المنتقى» عن أبي يوسف أن الجنون الأصلي إذا لم يكن مستغرقاً، فإنه لا يسقط القضاء، ولو أغمي عليه شهر رمضان، أو بعضه، فعليه قضاء ما مضى، ولو أغمي عليه بعدما غربت الشمس من الليلة الأولى رمضان، وبقي كذلك جميع الشهر، فعليه قضاء جميع الشهر إلا اليوم الأول، فإنما استثني اليوم الأول.
أما إذا نوى بعد دخول الليل قبل الإغماء؛ فلأنه نوى الصوم في محله، فصحت النية وصح صوم ذلك اليوم، وكذلك إذا لم يعلم أنه نوى قبل الإغماء؛ لأن كل مؤمن في كل ليلة من رمضان عليه قصد صوم الغد، هذا هو الظاهر، والبناء على الظاهر واجب ما لم يعلم بخلافه، حتى لو كان هذا الرجل مسافراً، ولم يعلم وجود النية منه في الليلة الأولى كان عليه قضاء اليوم الأول؛ لأن نية صوم الغد في الليالي من المسافر ليس بظاهر.
وكذلك إذا كان هذا الرجل متهتكاً يعتاد الفطر في رمضان كان عليه قضاء اليوم الأول؛ لأن حال مثله لا يدل على عزيمة بصوم الغد، فأما إذا أغمي عليه قبل دخول الليلة الأولى لزمه قضاء اليوم الأول أيضاً؛ لأن الإغماء حصل قبل دخول وقت النية، فلا يمكن جعل النية موجودة ظاهراً.
قال القدوري في «شرحه» : إذا أغمي عليه في ليلة من رمضان، فأفاق من الغد قبل الزوال، (١٦٣ب١) فينوي ذلك اليوم أجزأه، وكذلك المجنون، ومعنى المسألة: ما إذا علم أنه نوى، فصومه في الغد جائز، ولا حاجة إلى النية في الغد.
قال في «الجامع الصغير» : غلام بلغ في النصف من رمضان في نصف النهار يأكل بقية يومه، ويصوم بقية الشهر، ولا قضاء عليه فيما مضى، وإن أكل في اليوم الذي أدرك فيه ليس عليه قضاؤه، وعلى هذا الكافر إذا أسلم في النصف من رمضان في نصف النهار، وإنما لم يجب قضاء اليوم الذي أسلم الكافر فيه، وأدرك الصبي فيه؛ لأن صوم يوم واحد لا يتجزأ وجوباً وسقوطاً، وقد امتنع الوجوب في صدر النهار، فيمتنع في الباقي، فلا يلزمه قضاؤه أكل فيه أو لم يأكل، وإن كان لم يأكل، في يومه ذلك، وقد أسلم لم يجزئه عن رمضان.