فإنه يبدأ من الأولى بأربع حصيات، فيتمها، ثم يعيد على الوسطى سبع حصيات وكذلك على جمرة العقبة، ولا يعيد جماراً في الوسطى وجمرة العقبة؛ لأنه أتى بهما قبل ما يأتي بأكثر رمي عند الجمرة الأولى، فكأنه لم يرم من الأولى شيئاً، حتى لو رمى من كل جمرة أربع حصيات، فإنه يرمي لكل واحدة بثلاث حصيات؛ لأنه أتى بأكثر الرمي عند كل جمرة بثلاث، وإن استقبل رميها، فهو أفضل.
وفي «مناسك الحسن» : إذا رمى الجمرة الأولى بحصاة، ثم رمى الجمرة الوسطى بحصاة، ثم رمى الجمرة الأخيرة بحصاة، ثم رجع فرماهن بحصاة حصاة حتى رمى كل واحدة منهن على ما وصفت لك، فقد تم رميه على الجمرة الأولى، ورمى أربع حصيات على الجمرة الوسطى فعليه أن يتمها برمي ثلاث حصيات، ورمى جمرة العقبة بحصاة فيها، فرمى ست حصيات.
وإن نقص حصاة لا يدري من أيتهن نقصها أعاد على كل واحدة منهن حصاة أخذاً بالاحتياط، وإن لم يرم يوم النحر جمرة العقبة حتى جاء الليل رماها ولا شيء عليه، وإن لم يرمها حتى أصبح من الغد رماها، وعليه للتأخير دم عند أبي حنيفة خلافاً لهما، وإن ترك منها حصاة أو حصاتين إلى الغد يرمي ما تركه ويتصدق لكل حصاة بنصف صاع إلا أن يبلغ دماً، فيتصدق بما شاء.
وفي «المجرد» قال أبو حنيفة رحمه الله: لو ترك رمي جمرة الوسطى والأولى فعليه دم، ولو ترك رمي جمرة العقبة أطعم لكل حصاة نصف صاع حنطة.
وفي «الأصل» : لو ترك رمي الجمار كلها في سائر الأيام إلى اليوم الرابع قضاها على التأليف في اليوم الرابع؛ لأن وقت الرمي والحبس واحد، وإن لم يرم حتى غابت الشمس من اليوم الرابع سقط عنه الرمي لفوات الوقت وعليه دم واحد بالإجماع؛ لأن الرمي كله نسك واحد، ثم إذا فرغ من الرمي أتى الأبطح، وينزل به ساعة، والأبطح اسم موضع نزل به رسول الله عليه السلام حين انصرف من منى إلى مكة ويطوف طواف الصدر إن أراد الرجوع، ويسمى هذا طواف واجب عندنا، حتى لو تركه يلزمه الدم.
قال مشايخنا: يستحب للحاج إذا أراد الرجوع أن يأتي باب الكعبة، فيقبل العتبة، ويأتي الملتزم، فيلزمه ساعة ويبكي، ويتشبث بأستار الكعبة، ويلصق خده بالجدار إن تمكن، ثم يأتي زمزم (١٧١ب١) ويشرب من مائه، ويصب على جسده، ويقول: اللهم إني أسألك رزقاً واسعاً وعلماً نافعاً وشفاءً من كل داء يا أرحم الراحمين، ثم ينصرف ويمشي وراءه، ووجهه إلى البيت متبكياً متحسراً على فراق البيت، ويقول عند رجوعه: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، اللهم فكما هديتنا لذلك فتقبله منا، ولا تجعله آخر العهد منا، وارزقنا العود إليه حتى ترضى برحمتك يا أرحم الراحمين.
فهذا هو بيان عام للحج الذي أراده رسول الله عليه السلام في قوله «من حج هذا