للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«الغراب» مكان الحية، وفي بعض الروايات مكان الكلب العقور، فإذا صارت هذه الأشياء مستثناة عن التحريم صارت مستثناة عن وجوب الجزاء بقتلها؛ لأن المحرم بقتل هذه الأشياء لا يصير جانياً على إحرامه بارتكابه شيئاً من محظورات إحرامه،

بعد هذا قال الشافعي رحمه الله: استثناءً لما عداها من السباع نحو الفهد، والأسد، والبازي، والصقر، وابن آوى، لأن استثناء الخمس؛ لأنهن مؤذيات طبعاً، وقد وجد الإيذاء طبعاً في هذه الأشياء، وإنا نقول: استثناء الخمس لوجود الأذى منهن عادة؛ لأن سكنى الخمس فيما بيننا إما مزارعاً، أو مساكناً كالفأرة والحية والعقرب والكلب العقور أو مزارعاً لا مساكناً كالحدأة، والغراب، والذئب، ومن طبعهن الأذى فيوجد الأذى عادة، فأما الفهد والبازي والصقر وأشباهها من السباع بعيد منا مساكناً ومزارعاً؛ لأن من عادتهن التباعد من الناس، ولا يوجد الأذى منهن، فاستثناء الخمس لا يدل على استثناء سائر السباع مستثناة عندما تجب الحماية بقتلها ولا يجاور به الدم عند علمائنا البيت، والأصل فيه قوله عليه السلام «الضبع صيد» ، وفيه شاة إذا قتله المحرم،

هذا إذا قتل المحرم السبع ابتداء من غير أذى من جهته، فأما إذا قتله بناءً على أذى من جهته فلا جزاء، فقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه قتل ضبعاً فأدى جزاءه، وقال: إنا ابتدأناها.... بالابتداء منه يدل على أن الابتداء إذا كان من السبع أنه لا يلزمه الجزاء،

والمعنى أن حالة الأذى تصير من جملة الفواسق؛ لأن الفسق اسم مشتق من الخروج، وقد خرج علينا، وعلى حقوقنا، فإنما قتل صيد هو ليس بمحرم أصلاً، فلا يلزمه الجزاء.

وفي «المنتقى» إبراهيم عن محمد رحمه الله: محرم أصاب بازياً أو عقاباً كَفَّر ابتداء بالإيذاء أو لم يبتدي وكذا الطير إذا ذبحه المحرم، فعليه الكفارة، وإن ابتدأنا لأذى في طعام أو ما أشبهه إلا أن يكون طعاماً له ثمن، وابتدأه بالأذى، فحينئذٍ لا كفارة.

قال الكرخي رحمه الله في «كتابه» : وليس في هوام الأرض كالقنفذ والخنافس شيء على المحرم؛ لأنه ليس بصيد، وفي اليربوع والسنور الكفارة إذا لم يبتدىء بالأذى؛ لأنه صيد، وكذلك الذئب والثعلب والفيل، وكذلك الخنزير والقرد.

قال: والفيل إذا كان وحشياً، ففيه الجزاء، وإن كان أهلياً، فلا جزاء؛ لأنه ليس بصيد، وذكر في «المنتقى» عن أبي حنيفة رحمه الله: الفيل مطلقاً وأوجب فيه الجزاء إذا لم يبتدى بالأذى قال: إلا أنه لا يجاوز فيه شاة، وعن أبي حنيفة لا شيء في السنور الأهلية والوحشية، والكلب العقور؛ لأن الجنس واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>