«المبسوط» وتفسير هذا الكلام: إذا غسل جنبه أو فخذه، لا لنجاسة هل يأخذ حكم الاستعمال؟ وهذا شيء تكلم فيه المشايخ، ولا نص فيه عن أصحابنا الثلاثة رحمهم الله، وإنما المنصوص عنهم أنه إذا غسل أعضاء الوضوء وهو محدث متبرداً أو غسل به أعضاء الوضوء وهو طاهر.... الوضوء.
فأما الذي غسل عضو الفرض من الحدث، وهو طاهر تكلم المشايخ فيه، منهم من قال: هو مستعمل، وكثير من مشايخنا قالوا: لا يأخذ من هذا حكم الاستعمال، وذكر الطحاوي: أن من تبرّد بالماء صار مستعملاً. قال القدوري رحمه الله: وهو محمول على ما إذا كان محدثاً، وهذا لأن الماء إنما يصير مستعملاً عند أبي يوسف رحمه الله برفع الحدث أو بقصد القربة عند محمد رحمه الله وبقصد القربة على ما عليه عامة المشايخ ولم يوجد ههنا قصد القربة ولا رفع الحدث أو لم يحمله على المحدث فلا معنى للاستعمال فيحمل على المحدث ليصير مستعملاً برفع الحدث.
وذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله في «العيون» وغيره أنه لو أدخل المحدث رأسه في الإناء أو خفه يريد به المسح يجزئه المسح ولا يفسد الماء في رواية المعلى عن أبي يوسف رحمه الله؛ لأن المسح يتأدى بماء اتصل به من الماء لا بأكمله، وروى ابن سماعة عن محمد رحمه الله: أنه يصير مستعملاً فلا يجزئه من المسح لإقامة القربة بهذا الماء، وكذلك لو كانت على يده جبائر فغمسها في الإناء يريد المسح، فهو على هذا الاختلاف، ولو لم يقصد المسح أجزأه المسح ولا يعد الماء مستعملاً على اختلاف المذهبين عند محمد رحمه الله لعدم قصد لقربة، وعند أبي يوسف رحمه الله لأن الفرض لا يتأدى بما بقي بل بما اتصل من الماء بقول الفرض يسقط بالإصابة لا الإسالة والاستعمال شرط بالإسالة.
لرجل إذا غسل يده للطعام قبل الأكل أو بعده صار الماء مستعملاً؛ لأنه قصد إقامة السنة، فإن من سنة الطعام غسل اليدين قبله وبعده كما جاء به الحديث، بخلاف ما لو غسل يده من الوسخ أو العجين لا يعد مستعملاً به لا قربة ثمة ولا إزالة الحدث.
وإذا أدخل يده الصبي في إناء على قصد إقامة (القربة) ؛ ذكر في هذه المسألة في شيء من الكتب، وقد وصل إلينا أن هذه المسألة صارت واقعة، فاختلف فيها فتوى الصدر الشهيد حسام الدين عمر، وفتوى القاضي الإمام جمال الدين ... فتوى، قال رحمهما الله: والأشبه أن يصير مستعملاً إذا كان الصبي عاقلاً؛ لأنه من أهل القربة، ولهذا صح إسلامه وصحت عباداته حتى أمر بالصلاة إذا بلغ سبعاً ويضرب عليها إذا بلغ عشراً، والله أعلم.
ومما يتصل بهذا الفصل بيان حكم الأسآر
يجب أن تعلم بأن الأسآر أربعة: طاهرة كراهة فيه، وطاهر مكروه، ونجس، ومشكوك.