للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الرابع: إذا خرج من الميقات، فأتى البصرة واتخذها داراً، ثم حج من عامه ذلك؛ قال في «الكتاب» : هو متمتع، ولم يذكر فيه خلافاً، وروى الحاكم الشهيد عن أبي عصمة سعد بن معاذ أن ما ذكر في «الكتاب» قول أبي حنيفة رحمه الله، وعلى قولهما لا يكون متمتعاً، وهكذا ذكر الطحاوي في «كتابه» ، وذكر الجصاص أنه لا يكون متمتعاً على قول الكل.

وجه أن لا يصير متمتعاً: أنه لما اتخذ البصرة داراً، فقد انتهى السفر الأول نهايته، واتخاذ السفر شرط التمتع.

وجه أن يصير متمتعاً: أن شبهة السفر الأول قائمة؛ لأنه حاصل في سفر واحد حقيقة؛ لأنه لم يعد إلى وطنه الذي أنشأ السفر منه، ودم المتمتع نسك، فيجب احتياطاً إلحاقاً للشبهة بالحقيقة.

قال القدوري: لو أحرم بعمرة وفرغ منها وتحلل، وأقام بمكة حتى دخل عليه أشهر الحج، فأحرم بعمرة أخرى لم يكن متمتعاً؛ لأنه بمنزله، ولا تمتع في حق أهل مكة، فإن خرج من مكة، ثم عاد محرماً بالعمرة لم يكن متمتعاً إلا إذا رجع إلى أهله في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إذا خرج إلى موضع لأهله التمتع والقران، وهو ما وراء الميقات فهو متمتع، وإذا خرج قبل دخول أشهر الحج إلى موضع لأهله التمتع والقران، فأحرم بالعمرة كان متمتعاً في قولهم.

إذا خرج المكي إلى الكوفة وقرن صح قرانه، ولو خرج بالكوفة وأهلّ بالعمرة واعتمر، ثم حج لم يكن متمتعاً؛ لأنه صار ملماً بأهله بين الحج والعمرة، ولو أن المكي خرج إلى الكوفة، وأحرم بعمرة، وساق الهدي لم يكن متمتعاً، وصح إلمامه مع سوق الهدي، بخلاف الكوفي؛ لأن العود مستحق على المكي، فلا يمنع صحة الإلمام.

مكي وكوفي مجاور بمكة أحرم بعمرة وطاف لها شوطاً، ثم أحرم بحجة، قال: يرفض الحجة، وعليه لرفضها دم، وإن مضى عليهما أجزأه، وكان عليه لجمعه بينهما دم، وهذا قول أبي حنيفة، وهذا بناءً على ما قلنا: إنه لا يمنع في حق أهل مكة، فلأنه من رفض أحدهما، فإذا لم يطف بعمرته رفض العمرة؛ لأنه لم يتصل الأداء بالعمرة، كما لم يتصل بالحجة، والعمرة أخف النسكين، فكان رفضها أولى، وإن طاف لعمرته رفض الحجة بلا خلاف، وكذلك إذا أتى بأكثر طواف العمرة رفض العمرة بلا خلاف، وإن طاف أقلها بأن طاف لها شوطاً أو شوطين أو ثلاثاً، قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إنه يرفض العمرة، وقال أبو حنيفة: يرفض الحجة، ثم إذا رفض الحجة قال: عليه دم لرفضها، وعليه حجة وعمرة، الحجة بالدخول، والعمرة؛ لأنه لم يأت بأفعال الحج في السنة التي أحرم فيها، فصار كفائت الحج، فإن حج من عامه ذلك، فلا عمرة عليه، وإن لم يرفض (١٨٠ب١) ذلك، ومضى منها خرج عن العهد وعليه دم؛ لأجل الجمع، ولكن هذا دم جبر لارتكاب المنهي حتى لا بد له من تناول المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>