للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوصي أن يحج عنه حجاً إلى أن لا يبقى من ثلث ماله شيء، وإن كان الأمر بالإحجاج أمر بالفعل، والأمر بالفعل لا يقتضي التكرار ما ثبت مقتضى الأمر بالفعل هنا، وإنما ثبت بدلالة الحال أو بدلالة العرف؛ لأن ثلث المال شيء كان كثيراً بحيث يبلغ حججاً يراد بالإيصاء بالحج به الإيصاء بالحجج إلى أن لا يبقى من الثلث شيء، ثم الوصي بالخيار في هذه الصورة إن شاء أحج عنه في سنة واحدة، بأن أتى برجال ودفع إليهم نفقتهم حتى يحجوا عنه في سنة واحدة، وإن شاء أحج عنه رجلاً في كل سنة مرة، والأول أفضل؛ لأن في التأخير توهم هلاك باقي المال، فإن أحج الوصي بالثلث حجاً، وبقي من الثلث شيء قليل لا يفي الحج من وطنه، ويفي الحج من أقرب المواقيت أو من مكة، أو ما أشبه ذلك يأتي بذلك، وإلا رد الباقي على الورثة.

وفي «المنتقى» : هشام عن محمد رحمه الله إذا قال: حجوا عني من ثلثي حج عنه من ثلثه حجة واحدة، والفضل للورثة، وأما إذا قال: أحجوا عني بثلث مالي حجة واحدة، وقال: حجة، ولم يقل: واحدة، فإن الوصي يحج عليه حجة واحدة؛ لأنا إنما أثبتنا التكرار في الفصل الأول بدلالة الحال، أو بحكم العرف، ولا عبرة لهما إذا جاء الصريح بخلافه، فلو أن الوصي في هذه الصورة دفع إلى رجل مالاً مقدراً لينفق المال على نفسه في الطريق ذاهباً وجائياً ومدة مقامه بمكة، فأنفق، وبقي من ذلك شيء، ينظر إن كان الباقي كثيراً بحيث يمكن للمأمور الاحتراز عنه يصير مخالفاً، ويضمن ما أنفق على نفسه قياساً واستحساناً؛ لأنه مأمور خالف إلى شر، لأنه أمر أن ينفق كل المال في طريق الحج ليكون أكبر الأجر، فهذا إذا ترك البعض، والمتروك كثير بحيث يمكن المأمور الاحتراز عنه اعتبر مخالفاً، فصار منفقاً ما أنفق على نفسه بغير أمر ضامناً، وإن كان الباقي قليلاً بحيث لا يمكن الاحتراز عنه عرفاً وعادة، فالقياس أن يصير ضامناً لما أنفق على ... وفي الاستحسان لا يصير ضامناً؛ لأن هذا خلاف لا يمكن الاحتراز عنه للمأمور، فيكون عفواً، كالوكيل بالشراء إذا اشترى بغبن يسير، بيانه: أنه لا يمكنه أن ينفق الكل بحيث لا يبقى شيء يسير، ولا يفيض منه شيء يسير، بخلاف ما إذا كان الباقي شيئاً كثيراً؛ لأن التحرز عنه ممكن، فلا يجعل عفواً، كالغبن الفاحش إذا كان الباقي شيئاً قليلاً بحيث لا يمكن الاحتراز عنه حتى لا يصير مخالفاً، فالباقي لا يسلم للمأمور؛ لأن المستحق قدر النفقة مدة ذهابه ومجيئه ومقامه بمكة، فما زاد على ذلك لا يكون له فيرد على الورثة؛ لأنه مال الميت وقد خلا عن وصيته.

فإن كان الميت قال: ما بقي من النفقة فذلك يكون للمأمور، فهذا على وجهين:

إن لم يعين رجلاً ليحج عنه كانت الوصية بالباقي باطلة؛ لأن الموصى له مجهول، وجهالة الموصى له تمنع صحة القسمة للوصية، والحيلة في ذلك أن يقول الموصي للوصي: أعط ما بقي من النفقة من شئت فإذا أعطى الموصي الباقي من النفقة للمأمور

<<  <  ج: ص:  >  >>