للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكراء لنفسه في الطريق، وحج ماشياً جاز عن الميت استحساناً، وإن خالف أمره، قال الصدر الشهيد رحمه الله: هو المختار؛ لأنه لما ملك أن يملك رقبته بالبيع ويحج بالثمن ملك أن يملك منفعته بالإجارة، ويحج بالأجرة بطريق الأولى؛ إذ لو لم يملك ذلك على هذا التقدير يكون بالكراء عاصياً، فيكون الكراء له والحج له، فيتضرر، وكان نظير الميت فيما قلنا، ثم يرد البعير على الورثة؛ لأنه ملك الميت، وقد فرغ عن وصيته.

في مناسك «المنتقى» : ابن سماعة في «نوادره» : عن محمد رحمه الله إذا قال: أحجوا عشرة يعني عشر حجج فأحجوا عنه رجلاً عشر حجج جاز، وهو نظير ما لو قال: أطعموا عني عشرة مساكين، فأطعموا عنه مسكيناً واحداً عشرة أيام، وعلى هذا إذا قالوا: تصدقوا عني بهذه العشرة على عشرة مساكين، فتصدق على مسكين واحد أجزأه، وإن قال: على مسكينين، أو قال: على مسكين، فتصدقوا على عشرة أجزأه، وهذا وأجناسه على الأجر لا على العدد.

وأعاد هذه المسائل في وصايا «المنتقى» بعينها، وزاد عليها لو قال: تصدقوا بها على مساكين مكة، فتصدقوا بها على مساكين الكوفة ضمنوا، لأنه سمى لهم قوماً ووصفهم ولا يشبه هذا العدد.

في «الجامع الكبير» إذا قال: أوصيت بثلث مالي في الحج يحج عني كل سنة (١٨٤ب١) بمائة درهم أو قال: يحج من ثلثي كل سنة بمائة درهم، فإنه يحج عنه بالثلث كل سنة واحدة حتى يأتي على جميعه كل حجة بمائة درهم كما سمى، وكذلك إذا قال: أوصيت بثلث مالي في المساكين يتصدق منه كل سنة بمائة درهم، أو قال: أوصيت بأن يتصدق من ثلثي كل سنة بمائة درهم فإنهم يتصدقون بجميع الثلث في السنة الأولى، ولا يوزع على السنين، وكذلك إذا قال: أوصيت بثلثي يشترى منه كل سنة نسمة بمائة درهم فيعتق أو قال: أوصيت أن يشترى من ثلثي كل سنة نسمة، فإنه يشترى ذلك بكله في السنة الأولى ويعتق عنه ولا يوزع على السنين.

فَرْق بين هذه المسائل وبينما إذا أوصى أن يعطى لفلان كل سنة من ثلث ماله، فالثلث يوقف على فلان، ويعطى له كل سنة ما سمى، والفرق أنه إنما يراعى من الشروط ما يفيد لا ما لا يفيد، والأمر بإنفاق الثلث موزعاً على السنين يفيد؛ لأنه ربما يموت الموصى له قبل أن يستكمل الثلث، فيعود ما بقي من الثلث إلى ورثة الموصي، ونفع الوارث كنفع المورث، فأما في المسائل الثلاث الأمر بالتوزيع على السنين لا يفيد؛ لأنه لا يتوهم أن يفضل شيء من وصيته في المسائل، بل ثلث؛ لأن هذه جهات لا تنقطع إلى يوم القيامة، فلا يعود شيء إلى ورثته.

بقي من هذه الجنس مسألة لا بد من معرفتها: أن من مات، وعليه فرض الحج، ولم يوص به لم يلزم الوارث أن يحج عنه، وإن أحب أن يحج عنه حج، وأرجو أن يجزئه إن شاء الله، هكذا ذكر القدوري في «شرحه» ؛ لأن رسول الله عليه السلام شبه ديون الله تعالى بديون العباد في الحج في حديث الخثعمية، ثم في ديون العباد من قضى دين غيره

<<  <  ج: ص:  >  >>