للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به سرورى وأملى أتيت به أردّه، وأخرج من أمانتى، فاختلس من بين يدّى من غير أن تمسّ قدميه الأرض، واللات والعزّى لئن لم أره لأرمين بنفسى من شاهق هذا الجبل، ولأتقطّعن إربا إربا. فقال الناس: لنراك غائبة عن الركبان، معك محمد!! قلت: الساعة كان بين أيديكم. قالوا: ما رأينا شيئا. فلما آيسونى وضعت يدى على رأسى وقلت: وا محمداه وا ولداه. فأبكيت الجوار الأبكار لبكائى، وضجّ الناس معى بالبكاء حرقة لى، فإذا أنا بشيخ كالفانى، متوكئا على عكاز له، فقال لى: ما لى أراك تبكين أيتها السعدية؛ تبكين وتصيحين؟ فقلت: فقدت ابنى محمدا. قال: لا تبكين؛ أنا أدلّك على من يعلم علمه. وإن شاء أن يردّه عليك فعل. قلت: دلّنى عليه. قال: الصنم الأعظم. قلت: ثكلتك أمّك؛ كأنك لم تر ما نزل باللات والعزّى فى الليلة التى ولد فيها محمد!! قال: إنك لتهذين ولا تدرين ما تقولين، أنا أدخل عليه وأسأله أن يردّه عليك.

فدخل-وأنا أنظر-فطاف بهبل أسبوعا (١)، وقبّل رأسه، ونادى: يا سيداه لم تزل منعما على قريش، وهذه السعدية تزعم أن محمدا قد ضلّ، فانكبّ هبل على وجهه، وتساقطت الأصنام بعضها على بعض، ونطقت-أو نطق فيها-فقالت: إليك عنا أيها الشيخ؛ إنما هلاكنا على يدى محمد. فأقبل الشيخ ولأسنانه اصطكاك، ولركبتيه ارتعاد، وقد ألقى عكازه من بين يديه وهو


(١) الأسبوع فى الطواف: يعنى سبع مرات (المعجم الوسيط) وفى م «سبوعا» وهو بمعناه.