للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنفاطين وغير ذلك، فجمع الأمير مكثر الشرفاء والعرب على قدر وسعه لضيق الوقت، ولم يحج من مكة إلا القليل، ولم يوفّ أكثرهم المناسك؛ لأنهم باتوا بعرفة ولم يبيتوا بمزدلفة، ولم ينزلوا بمنى، ولم يرموا الجمار، وإنما رمى بعضهم وهو سائر، ولا بات بها ليلة. ونزل الحاج فى يوم النحر بالأبطح، فخرج إليهم ناس من أهل مكة فحاربوهم فى بقية يوم النحر، وفى اليوم الثانى والثالث، وقوى القتال على أهل مكة، وقتل من الفريقين جماعة، ثم آل الأمر إلى أن صيح فى الناس:

الغزاة إلى مكة. فهجموا عليها فهرب أمير مكة مكثر فصعد إلى الحصن الذى بناه على جبل أبى قبيس-ويقال إنما بناه والده عيسى -فحصروه به، ففارقه وسار عن مكة؛ فآمر أمير الحاج بهدم الحصن، فعدا قوم لا خلاق لهم من الحاج بالنهب، فنهبوا كثيرا من الدور التى على أطراف البلد من ناحية المعلاة، وأخذوا من أموال التجار المقيمين بها شيئا كثيرا، وأحرقوا دورا كثيرة.

ومن أعجب ما جرى أن إنسانا زرّاقا بالنفط ضرب دارا بقارورة نفط فاحترقت هى وما فيها-وكانت تلك الدار لأيتام يستغلونها كل سنة إذا جاء الحاج-ثم أخذ قارورة أخرى فسواها ليضرب بها فجاءه حجر فكسرها فعادت عليه فاحترق هو بها، فبقى ثلاثة أيام بسفح الجبل يتعذب بالحريق ورأى بنفسه العجائب ثم مات.

وسلمت مكة ليد الأمير قاسم (١) ثلاثة أيام فظهر عجز


(١) هو الأمير قاسم بن مهنا الحسينى أمير المدينة (شفاء الغرام ٢:٢٣١).