للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه إلا علم الخليفة. فقال ابن المقدم: فالسلطان مملوك أمير المؤمنين، ونحن مماليك السلطان، وليس لى (١) معك تعلق؛ أنت أمير الحاج العراقى، وأنا أمير الحاج الشامى، وكل منا يفعل ما يراه ويختاره. وأمر غلمانه فأطلعوا العلم وساروا، ولم يقفوا ولم يسمع قوله.

فلما رأى طاشتكين إصراره على مخالفته ركب فى أصحابه وأجناده، وتبعه من غوغاء الحاج العراقى وبطّاليهم وطمّاعتهم العالم الكثير والجمّ الغفير، وقصدوا الحاج الشامىّ مهوّلين عليه، فلما قربوا منه ركب ابن المقدم أيضا فيمن معه من الشاميين؛ فالتقوا وقتل من الفريقين جماعة، وخرج الأمر بينهم من الضبط (٢)، وعجزا عن تلافيه، فهجم طماعة العراقيين على الحاج الشامى وفتكوا بهم، وقتلوا منهم جماعة، ونهبت أموالهم، وسبى جماعة من نسائهم إلا أنهن رددن عليهم، وجرح ابن المقدم عدة جراحات، وكان يكف أصحابه عن القتال، ولو أذن لهم لانتصف منهم وزاد لكنه راقب الله تعالى وحرمة المكان واليوم، وأثخن بالجراحة وأصابه سهم فى عينه فخر صريعا فأخذه طاشتكين إلى خيمته وأنزله عنده؛ ليمرضه ويستدرك الفارط فى حقه. وساروا تلك الليلة من عرفات، فلما كان الغد يوم الخميس يوم عبد الله الأكبر مات ابن المقدم بمنى، وصلّى عليه بمسجد الخيف، وحمل إلى المعلاة فدفن بها؛ ورزق الشهادة بعد الجهاد، وشهود فتح بيت المقدس، رحمه الله تعالى.


(١) فى الأصول «وليس له» والمثبت عن المرجعين السابقين.
(٢) فى الأصول «بالغيظ» والمثبت عن الكامل لابن الأثير ١١:٢٢٩.