للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرج النبى مع غلام لخديجة يقال له ميسرة، وجعل عمومة النبى يوصون به أهل العير، فبلغ سوق بصرى-وقيل سوق حباشة (١) بتهامة-لأربع عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة، فباع تجارته التى خرج بها؛ فربح ضعف ما كانوا يربحون، واشترى ما أراد أن يشترى. ثم أقبل قافلا إلى مكة-ومعه ميسرة-فلما كان بمرّ الظهران (٢) قال ميسرة للنبى : تقدم يا محمد فأخبر خديجة بما ربحناه. فدخل النبى مكة ساعة الظهيرة، وخديجة فى علّيّة لها، فرأت رسول الله وهو على بعيره وملكان يظلاّن عليه، فأرته نساءها فتعجبن لذلك، ودخل عليها رسول الله فأخبرها بما ربحوا فى وجههم، فسرّت بذلك. فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت، فأخبرها أنه إذا كانت الهاجرة واشتد الحرّ يرى ملكان يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره، وأخبرها أنهم نزلوا فى ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرّهبان يقال له نسطور، فاطلع الراهب إلى ميسرة وقال: من هذا الرجل الذى نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال له ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم. فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قطّ إلا نبى. ونظر إلى الغمامة وقد أظلته فسأل ميسرة: أفى عينيه حمرة؟ قال: نعم، لا تفارقه قط. فقال له: هو نبىّ، وهو آخر الأنبياء.

وأخبرها أنه وقع تلاح بينه وبين رجل فى بيع. فاستحلفه باللات والعزّى، فقال النبىّ : ما حلفت بهما قط، وإنى لأمرّ فأعرض عنهما. فقال الرجل: القول قولك. ثم قال لميسرة: هذا والله نبىّ تجده أحبارنا فى كتبهم منعوتا.


(١) سوق بتهامة، وانظر معجم البلدان لياقوت، وشرح المواهب ١:١٩٨.
(٢) مر الظهران: هو واد قرب مكة. (معجم البلدان لياقوت)