للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من مصر؛ وصل فيه ما أنعم به السلطان عليه من القمح والشعير والفول، وصار فى كل يوم يرغب فى المسير إلى جدة لقتال المذكورين، فيأبى عليه أصحابه من القواد، ويجيرون عليه من المسير، ودام الحال على ذلك شهرا، ثم سعى عنده القواد الحميضات فى أن يعطى الأشراف أربعمائة غرارة قمح من المركب الذى وصل إليه، ويرحل الأشراف من جدة؛ فأجاب إلى ذلك وسلّمها لهم. فلما صارت بأيديهم توقفوا عن الرحيل، فزادهم مائة غرارة، فرحلوا ونزلوا العدّ، وصاروا يفسدون فى الطريق.

وبلغه أن ذوى عمر فى أنفسهم منه شيء فمضى إلى الأشراف وصالحهم، وردّ عليهم ما أخذه منهم، وأقبل على مودتهم؛ فكان جماعة منهم يتحملون منه، وجماعة يبدون له الجفاء، ويعملون فى البلاد أعمالا غير صالحة؛ اقتضت أن التجار أعرضوا عن مكة، وقصدوا ينبع؛ لقلة الأمن بمكة وجدة، فلحق أهل مكة لأجل ذلك شدّة، وكان يجتهد فى رضائهم عليه بكل ما تصل قدرته إليه، وقنع منهم بأن يتركوا الفساد فى البلاد، فما أسعفوه بمراده (١).

وفيها وشى بعض بنى حسين أهل المدينة بالسيّد عنان بن مغامس إلى الملك الظاهر بمصر، وقال له: إنه يريد الهرب إلى مكة يفسد بها، وإنه أعد نجبا لذلك. فسجنه السلطان ببرج القلعة فى يوم الأربعاء ثالث جمادى الأولى (٢).


(١) العقد الثمين ٢١١:٦، ٢١٢.
(٢) العقد الثمين ٤٤٠:٦، والسلوك للمقريزى ٧٨٣:٣/ ٢.