للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واجتمع على النبى بموت أبى طالب وخديجة مصيبتان، وسمّاه عام الحزن؛ لأن أبا طالب كان يحميه عند خروجه من بيته ممن يؤذيه، وخديجة كانت تصدّقه إذا آوى إلى منزله، وتسلّيه عن كل ما يجرى عليه، وتقول: أنت رسول الله حقّا.

فتناولت النبىّ قريش، واجترأت عليه، ونالت منه ما لم تكن تنال ولا تطمع فيه، ووصلوا منه إلى ما لم يكونوا يصلون إليه فى حياة أبى طالب وخديجة، فلزم بيته وأبى الخروج. فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال: يا محمد، امض لما أردت، وما كنت صانعا إذ كان أبو طالب حيّا فاضنعه، لا واللات والعزّى لا يوصل إليك حتى أموت (١).

وسبّ ابن الغيطلة النبىّ فأقبل عليه أبو لهب فنال منه، فولّى يصيح: يا معشر قريش صبأ أبو عتبة. فأقبلت قريش حتى وقفت على أبى لهب [وقالوا له: أفارقت دين عبد المطلب؟] (٢) فقال: ما فارقت دين عبد المطلب؛ ولكن أمنع ابن أخى أن يضام حتى يمضى لما يريد. فقالوا: قد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم.

فمكث رسول الله كذلك أياما يذهب ويأتى لا يعترض له أحد من قريش، وهابوا أبا لهب؛ فجاء عتبة بن أبى معيط، وأبو جهل إلى أبى لهب فقالا له: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟ فقال أبو لهب: يا محمد أين مدخل أبى؟ فقال: مع قومه. فخرج


(١) الوفا بأحوال المصطفى ١:٢١٠، وسبل الهدى والرشاد ٢:٥٧٢.
(٢) سقط فى الأصول، والمثبت عن السيرة الحلبية ٢:٥٠، وشرح المواهب ١:٢٩٨