للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان، وإنا والله لا نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتّبعه من غيرنا؛ فأجمعوا رأيا واحدا فيه. فقال بعضهم (١): احبسوه فى الحديد وأغلقوا عليه بابا، ثم تربّصوا به ما أصاب أشباهه (٢) من الشعراء الذين كانوا قبله-زهيرا والنابغة ومن مضى منهم-من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم. فقال النجدىّ: لا والله ما هذا لكم برأى؛ والله لئن حبستموه-كما تقولون-ليخرجنّ أمره من وراء الباب الذى أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأى فانظروا فى غيره.

فتشاوروا ثم قال قائل (٣) منهم: نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا، فإذا خرج عنا فو الله لا نبالى إلى أين ذهب، ولا حيث وقع إذا غاب عنا، وفرغنا منه، فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت.

قال النجدىّ: لا والله ما هذا لكم برأى؛ ألم تروا إلى حسن حديثه، وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتى به؟! والله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحلّ على حىّ من العرب، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى


(١) هو أبو البخترى بن هشام كما فى الروض الأنف ٢:٢٢٩، والسيرة النبوية لابن كثير ٢:٢٢٨، والسيرة الحلبية ٢:١٩٠.
(٢) فى ت، هـ «أصحابه». والمثبت من م، وسيرة النبى لابن هشام ٢: ٣٣٢، والسيرة الحلبية ٢:١٩٠.
(٣) هو الأسود بن ربيعة بن عمير. (الروض الأنف ٢:٢٢٦، سبل الهدى ٣:٣٢٥، والسيرة الحلبية ٢:١٩٠)