للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللهم إنّ هذين يذكران أنهما يحبانى فيك. وقد رأونى فاغفر لهما، وأدخلهما فى شفاعة نبيهما محمد . فقال له عمر :

مكانك-رحمك الله-حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائى، وفضل كسوة من ثيابى؛ فإنى أراك رثّ الحال، هذا المكان الميعاد بينى وبينك غدا. فقال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بينى وبينك، ولا أعرفك بعد اليوم ولا تعرفنى، ما أصنع بالنفقة؟ وما أصنع بالكسوة؟ أما ترى على إزارا من صوف، ورداء من صوف؟ متى أرانى أخلقهما؟ أما ترى نعلى مخصوفتين، متى ترانى أبليهما؟ ومعى أربعة دراهم أخذتها من رعايتى، متى ترانى آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدىّ عقبة لا يقطعها إلا كل مخف مهزول، فأخفّ-يرحمك الله-يا أبا حفص؛ إن الدنيا غرارة غدارة، زائلة فانية، فمن أمسى وهمته فيها اليوم مدّ عنقه إلى غد، ومن مدّ عنقه إلى غد أعلق قلبه بالجمعة، ومن أعلق قلبه بالجمعة لم ييأس من الشهر، ويوشك أن يطلب السنة، وأجله أقرب إليه من أمله، ومن رفض هذه الدنيا أدرك ما يريد غدا من مجاورة الجبار، وجرت من تحت منازله الثمار. فلما سمع عمر كلامه ضرب بدرته (١) الأرض، ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت عمر لم تلده أمه، ليتها عاقرا لم تعالج حملها. [ألا من يأخذها بما فيها ولها؟ ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت ها هنا حتى آخذ] (٢) أنا ها هنا. ومضى أويس يسوق الإبل بين يديه، وعمر وعلى ينظران إليه حتى غاب فلم يروه، وولى عمر وعلىّ نحو مكة.


(١) فى الأصول «بيده» والمثبت عن حلية الأولياء ٢:٨٣.
(٢) سقط فى الأصول والمثبت عن المرجع السابق.