ﷺ حين فتح مكة فخطب فقال: إن الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، ويوم خلق الشمس والقمر ووضعها بين الجبلين، فهى حرام إلى يوم القيامة، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما، ولا يعضد فيها شجرا، لم تحلّ لأحد كان قبلى، ولم تحلّ لى إلا ساعة من نهار، ثم رجعت كحرمتها بالأمس. فليبلغ الشاهد الغائب. وإن النبى ﷺ أمرنا أن يبلّغ الشاهد الغائب، وكنت شاهدا وكنت غائبا، وقد أدّيت إليك ما كان رسول الله ﷺ أمر به. فقال له عمرو بن سعيد: انصرف أيها الشيخ، فنحن أعلم بحرمتها منك. إنها لا تمنع من ظالم، ولا خالع طاعة، ولا سافك دم.
فقال أبو شريح: قد أدّيت إليك ما كان رسول الله ﷺ أمر به، فأنت وشأنك.
وقيل إن يزيد كتب إلى عمرو بن سعيد ليرسل عمرو بن الزبير إلى أخيه عبد الله ففعل، وأرسله ومعه جيش نحو ألفى رجل من أهل الشام، فنزل أنيس بذى طوى، ونزل عمرو بالأبطح، فأتاه الناس يسلمون عليه، وسألوه عن مجيئه، فقال: جئت لأن يعطى أخى الطاعة ليزيد ويبرّ قسمه، وقد حلف يزيد ألاّ يقبل منه بيعته إلا أن يؤتى به فى جامعة، فإن أبى قاتلته. فقال له جبير بن شيبة: كان غيرك أولى بهذا منك، تسير إلى حرم الله وأمنه، وإلى أخيك فى سنّه وفضله، وتجعله فى جامعة؟! ما أرى الناس يدعوك وما تريد. قال:
أرى من يحول (١) دون ذلك. ثم أقبل عمرو ونزل داره عند الصفا،
(١) فى الأصول «حال» ولعل الصواب ما ذكرناه. وفى العقد ٦:٣٨٢ «أرى أن أقتل من حال دون ذلك».