للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:

الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ «١» [الْجِنِّ: ٦]- وَقَوْمًا وَنَفَرًا «٢». فَعَلَى هَذَا يَكُونُ وَالنَّاسِ عَطْفًا عَلَى الْجِنَّةِ، وَيَكُونُ التَّكْرِيرُ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ. وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ: جَاءَ قَوْمٌ مِنَ الْجِنِّ فَوَقَفُوا. فَقِيلَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَاسٌ مِنَ الْجِنِّ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ. وَقِيلَ: الْوَسْوَاسُ هُوَ الشَّيْطَانُ. وَقَوْلُهُ: مِنَ الْجِنَّةِ بَيَانُ أَنَّهُ مِنَ الْجِنِّ وَالنَّاسِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْوَسْوَاسِ. وَالْمَعْنَى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ، الَّذِي هُوَ مِنَ الْجِنَّةِ، وَمِنْ شَرِّ النَّاسِ. فَعَلَى هَذَا أُمِرَ بِأَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَالْجِنَّةُ: جَمْعُ جِنِّيٍّ، كَمَا يُقَالُ: إِنْسٌ وَإِنْسِيٌّ. وَالْهَاءُ لِتَأْنِيثِ الْجَمَاعَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ إِبْلِيسَ يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الْجِنِّ، كَمَا يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي صُدُورِ النَّاسِ عاما في الجميع. ومِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ بَيَانٌ لِمَا يُوَسْوِسُ فِي صَدْرِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَى مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ أَيِ الْوَسْوَسَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، وَهُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: [إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ]. رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. فَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بالمراد من ذلك.


(١). آية ٦ سورة الجن.
(٢). وذلك في قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ... ) آية ٢٩ سورة الأحقاف.

<<  <  ج: ص: