قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ" أَيْ يَخْذُلُهُ" فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ" هَذَا فِيمَنْ أَعْرَضَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْمَوَدَّةِ فِي الْقُرْبَى، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ فِي الْبَعْثِ وَأَنَّ مَتَاعَ الدُّنْيَا قَلِيلٌ. أَيْ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَهْدِيهِ هَادٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَتَرَى الظَّالِمِينَ" أَيِ الْكَافِرِينَ." لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ" يَعْنِي جَهَنَّمَ. وَقِيلَ رَأَوُا الْعَذَابَ عِنْدَ الْمَوْتِ." يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ" يَطْلُبُونَ أَنْ يُرَدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لِيَعْمَلُوا بطاعة الله فلا يجابون إلى ذلك.
[[سورة الشورى (٤٢): آية ٤٥]]
وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها" أَيْ عَلَى النَّارِ لِأَنَّهَا عَذَابُهُمْ، فَكَنَّى عَنِ الْعَذَابِ الْمَذْكُورِ بِحَرْفِ التَّأْنِيثِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَذَابَ هُوَ النَّارُ، وَإِنْ شِئْتَ جَهَنَّمُ، وَلَوْ رَاعَى اللَّفْظَ لَقَالَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قِيلَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ جَمِيعًا يُعْرَضُونَ عَلَى جَهَنَّمَ عِنْدَ انْطِلَاقِهِمْ إِلَيْهَا، قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ. وَقِيلَ: آلُ فِرْعَوْنَ خُصُوصًا، تُحْبَسُ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ سُودٍ تَغْدُو عَلَى جَهَنَّمَ وَتَرُوحُ، فَهُوَ عَرْضُهُمْ عَلَيْهَا، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ عَامَّةُ الْمُشْرِكِينَ، تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ ذُنُوبُهُمْ فِي قُبُورِهِمْ، وَيُعْرَضُونَ عَلَى الْعَذَابِ فِي قُبُورِهِمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي الْحَجَّاجِ." خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ" ذَهَبَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ إِلَى الْوَقْفِ عَلَى" خاشِعِينَ". وَقَوْلُهُ:" مِنَ الذُّلِّ" مُتَعَلِّقٌ بِ" يَنْظُرُونَ". وَقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ ب" خاشِعِينَ". وَالْخُشُوعُ الِانْكِسَارُ وَالتَّوَاضُعُ. وَمَعْنَى" يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ" أَيْ لَا يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ لِلنَّظَرِ رَفْعًا تاما، لأنهم ناكسو الرؤوس. وَالْعَرَبُ تَصِفُ الذَّلِيلَ بِغَضِّ الطَّرْفِ، كَمَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي ضِدِّهِ حَدِيدَ النَّظَرِ إِذَا لَمْ يُتَّهَمْ بِرِيبَةٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْهَا غَضَاضَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:" مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ" أَيْ ذَلِيلٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ بِقُلُوبِهِمْ لِأَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ عُمْيًا، وَعَيْنُ الْقَلْبِ طَرْفٌ خَفِيٌّ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالْقُرَظِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يُسَارِقُونَ النَّظَرَ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَنْظُرُونَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute