للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَلِمَةُ الْعَذَابِ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقِيلَ: إِنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ يَنْجُو مِنْهُ، وَمَا بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفٌ وَقَالَ:" أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ" وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:" حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ" [الزمر: ٧١] لِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا تَقَدَّمَ وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْصُوفِ بِهِ حَائِلٌ جَازَ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ، عَلَى أَنَّ التَّأْنِيثَ هُنَا لَيْسَ بِحَقِيقِيٍّ بَلِ الْكَلِمَةُ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ وَالْقَوْلِ، أَيْ أَفَمَنْ حَقَّ عليه قول العذاب.

[[سورة الزمر (٣٩): آية ٢٠]]

لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (٢٠)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ" لَمَّا بَيَّنَ أن للكفار ظلا مِنَ النَّارِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِهِمْ بَيَّنَ أَنَّ لِلْمُتَّقِينَ غُرَفًا فَوْقَهَا غُرَفٌ، لِأَنَّ الْجَنَّةَ دَرَجَاتٌ يَعْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا وَ" لكِنِ" لَيْسَ للاستدرار، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَفْيٌ كَقَوْلِهِ: مَا رَأَيْتُ زَيْدًا لَكِنْ عَمْرًا، بَلْ هُوَ لِتَرْكِ قِصَّةٍ إِلَى قِصَّةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْأُولَى كَقَوْلِكَ: جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَأْتِ." غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ" تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ" أَيْ هِيَ جَامِعَةٌ لِأَسْبَابِ النُّزْهَةِ." وَعْدَ اللَّهِ" نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، لِأَنَّ مَعْنَى" لَهُمْ غُرَفٌ" وَعَدَهُمُ اللَّهُ ذَلِكَ وَعْدًا. وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِمَعْنَى ذَلِكَ وَعْدُ اللَّهِ." لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ" أي ما وعد الفريقين.

[[سورة الزمر (٣٩): آية ٢١]]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً" أَيْ إِنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فِي إِحْيَاءِ الْخَلْقِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِنْزَالِ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ." أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ" أَيْ مِنَ السحاب" ماء" أي المطر" فسلكه" أَيْ فَأَدْخَلَهُ فِي الْأَرْضِ