للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْنِي السَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ «١». وَقَالَ قَوْمٌ:" بُرُوجاً"، أَيْ قُصُورًا وَبُيُوتًا فِيهَا الْحَرَسُ، خَلَقَهَا اللَّهُ فِي السَّمَاءِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَزَيَّنَّاها) يَعْنِي السَّمَاءَ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ:" وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ «٢» "." لِلنَّاظِرِينَ" للمعتبرين والمتفكرين.

[[سورة الحجر (١٥): آية ١٧]]

وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧)

أَيْ مَرْجُومٍ. وَالرَّجْمُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ. وَقِيلَ: الرَّجْمُ اللَّعْنُ وَالطَّرْدُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ «٣». وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُلُّ رَجِيمٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ بِمَعْنَى الشَّتْمِ. وَزَعَمَ الْكَلْبِيُّ أَنَّ السموات كُلَّهَا لَمْ تُحْفَظْ مِنَ الشَّيَاطِينِ إِلَى زَمَنِ عِيسَى، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عِيسَى حَفِظَ منها ثلاث سموات إِلَى مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَفِظَ جَمِيعهَا بَعْدَ بَعْثِهِ وَحُرِسَتْ مِنْهُمْ بِالشُّهُبِ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (وَقَدْ كَانَتِ الشَّيَاطِينُ لَا يُحْجَبُونَ عَنِ السَّمَاءِ، فَكَانُوا يَدْخُلُونَهَا وَيُلْقُونَ أَخْبَارَهَا عَلَى الْكَهَنَةِ، فَيَزِيدُونَ عَلَيْهَا تِسْعًا فَيُحَدِّثُونَ بِهَا أَهْلَ الْأَرْضِ، الْكَلِمَةُ حَقٌّ وَالتِّسْعُ بَاطِلٌ، فَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا مِمَّا قَالُوهُ صَدَّقُوهُمْ فِيمَا جَاءُوا به، فلما ولد عيسى بن مريم عليهما السلام منعوا من ثلاث سموات، فَلَمَّا وُلِدَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مِنَ السموات كُلِّهَا، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ يُرِيدُ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ إِلَّا رُمِيَ بِشِهَابٍ، عَلَى مَا يَأْتِي «٤».

[[سورة الحجر (١٥): آية ١٨]]

إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨)

أَيْ لَكِنْ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، أَيِ الْخَطْفَةَ الْيَسِيرَةَ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وَقِيلَ، هُوَ مُتَّصِلٌ، أي إلا ممن استرق السمع. أَيْ حَفِظْنَا السَّمَاءَ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَنْ تَسْمَعَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ، وَغَيْرِهِ، إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَإِنَّا لَمْ نَحْفَظْهَا مِنْهُ أَنْ تَسْمَعَ الْخَبَرَ مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ سِوَى الْوَحْيِ، فَأَمَّا الْوَحْيُ فَلَا تَسْمَعُ مِنْهُ شَيْئًا، لِقَوْلِهِ:" إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ" «٥». وإذا استمع الشياطين


(١). وهي- حسب ترتيبها التصاعدى-: القمر، عطارد: الزهرة، الشمس، المريخ، المشترى، زحل.
(٢). راجع ج ١٨ ص ٢١٠.
(٣). راجع ج ٩ ص ٩١.
(٤). راجع ج ١٥ ص ٦٤، ج ١٩ ص ١٠.
(٥). راجع ج ١٣ ص