للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) أي لا أحد أو في بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ. وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَلَا يَتَضَمَّنُ وَفَاءَ الْبَارِئِ بِالْكُلِّ، فَأَمَّا وَعْدُهُ فَلِلْجَمِيعِ، وَأَمَّا وَعِيدُهُ فَمَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْمُذْنِبِينَ وَبِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى «١». الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) أَيْ أَظْهِرُوا السُّرُورَ بِذَلِكَ. وَالْبِشَارَةُ إِظْهَارُ السُّرُورِ فِي الْبَشَرَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ «٢». وَقَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ إِلَّا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَيْعَةِ. (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أَيِ الظَّفَرُ بِالْجَنَّةِ وَالْخُلُودُ فيها.

[[سورة التوبة (٩): آية ١١٢]]

التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى" التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ" التَّائِبُونَ هُمُ الرَّاجِعُونَ عَنِ الْحَالَةِ الْمَذْمُومَةِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَى الْحَالَةِ الْمَحْمُودَةِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَالتَّائِبُ هُوَ الرَّاجِعُ. وَالرَّاجِعُ إِلَى الطَّاعَةِ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الرَّاجِعِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ." الْعابِدُونَ" أَيِ الْمُطِيعُونَ الَّذِينَ قَصَدُوا بِطَاعَتِهِمُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ." الْحامِدُونَ" أَيِ الرَّاضُونَ بِقَضَائِهِ الْمُصَرِفُونَ نِعْمَتَهُ فِي طَاعَتِهِ، الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ." السَّائِحُونَ" الصَّائِمُونَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا. ومنه قوله تعالى:" عابِداتٍ سائِحاتٍ" «٣» [التحريم: ٥]. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّمَا قِيلَ لِلصَّائِمِ سَائِحٌ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ اللَّذَّاتِ كُلِّهَا مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَنْكَحِ. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:

وَبِالسَّائِحِينَ لَا يذوقون قطرة ... لربهم والذاكرات العوامل


(١). راجع ج ٥ ص ٣٣٣ فما بعد.
(٢). راجع ج ١ ص ٢٣٨.
(٣). راجع ج ١٨ ص ١٩٢.