وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ الْعُبُوسَ بِالشَّفَتَيْنِ، وَالْقَمْطَرِيرَ بِالْجَبْهَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ، فَجَعَلَهَا مِنْ صِفَاتِ الْوَجْهِ الْمُتَغَيِّرِ مِنْ شَدَائِدِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ:
يَغْدُو عَلَى الصَّيْدِ يَعُودُ مُنْكَسِرْ ... وَيَقْمَطِرُّ سَاعَةً وَيَكْفَهِرُّ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ رَجُلٌ قَمْطَرِيرٌ أَيْ مُتَقَبِّضٌ مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ اقْمَطَرَّتِ النَّاقَةُ: إِذَا رَفَعَتْ ذَنَبَهَا وَجَمَعَتْ قُطْرَيْهَا، وَزَمَّتْ بِأَنْفِهَا، فَاشْتَقَّهُ مِنَ الْقُطْرِ، وَجَعَلَ الْمِيمَ مَزِيدَةً. قَالَ أَسَدُ بْنُ نَاعِصَةَ:
وَاصْطَلَيْتُ الْحُرُوبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ ... بَاسِلِ الشَّرِ قَمْطَرِيرِ الصَّبَاحِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَقاهُمُ اللَّهُ أَيْ دَفَعَ عَنْهُمْ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ أَيْ بَأْسَهُ وَشِدَّتَهُ وَعَذَابَهُ وَلَقَّاهُمْ أَيْ أَتَاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ حِينَ لَقَوْهُ أَيْ رَأَوْهُ نَضْرَةً أَيْ حُسْنًا وَسُرُوراً أَيْ حُبُورًا. قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدُ: نَضْرَةً فِي وُجُوهِهِمْ وَسُرُوراً فِي قُلُوبِهِمْ. وَفِي النَّضْرَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا الْبَيَاضُ وَالنَّقَاءُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. الثَّانِي الْحُسْنُ وَالْبَهَاءُ، قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. الثَّالِثُ أَنَّهَا أَثَرُ النعمة، قاله ابن زيد.
[سورة الإنسان (٧٦): الآيات ١٢ الى ١٤]
وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) عَلَى الْفَقْرِ. وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: عَلَى الصَّوْمِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: عَلَى الْجُوعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ أَيَّامُ النَّذْرِ. وَقِيلَ: بِصَبْرِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَبْرِهِمْ عَلَى مَعْصِيَةِ الله ومحارمه. وبِما: مَصْدَرِيَّةٌ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي جَمِيعِ الْأَبْرَارِ وَمَنْ فَعَلَ فِعْلًا حَسَنًا. وَرَوَى «١» ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الصَّبْرِ فَقَالَ: (الصَّبْرُ أَرْبَعَةٌ: أَوَّلُهَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى، وَالصَّبْرُ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَالصَّبْرُ عَلَى اجْتِنَابِ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ (. (جَنَّةً وَحَرِيراً) أَيْ أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير. أي يسمى
(١). في ا، ح: (وروى).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute