[[سورة البقرة (٢): آية ٧٣]]
فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها)
قِيلَ: بِاللِّسَانِ لِأَنَّهُ آلَةُ الْكَلَامِ. وَقِيلَ: بِعَجْبِ الذَّنَبِ، إِذْ فِيهِ يُرَكَّبُ خَلْقُ الْإِنْسَانِ. وَقِيلَ: بِالْفَخِذِ. وَقِيلَ: بِعَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا، وَالْمَقْطُوعُ بِهِ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهَا، فَلَمَّا ضُرِبَ بِهِ حَيِيَ وَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا كَمَا كَانَ. مَسْأَلَةٌ: اسْتَدَلَّ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْقَسَامَةِ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ: دَمِيَ عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٌ قَتَلَنِي. وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، قَالُوا: وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ قَوْلَ الْمَقْتُولِ: دَمِيَ عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٌ قَتَلَنِي، خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ دَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْصُومٌ مَمْنُوعٌ إِبَاحَتُهُ إِلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا يَقِينَ مَعَ الِاحْتِمَالِ، فَبَطَلَ اعْتِبَارُ قَوْلِ الْمَقْتُولِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. وَأَمَّا قَتِيلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَانَتْ مُعْجِزَةً وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يُحْيِيهِ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ بِقَاتِلِهِ خَبَرًا جَزْمًا لَا يَدْخُلُهُ احْتِمَالٌ، فَافْتَرَقَا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْمُعْجِزَةُ كَانَتْ فِي إِحْيَائِهِ، فَلَمَّا صَارَ حَيًّا كَانَ كَلَامُهُ كَسَائِرِ كَلَامِ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ. وَهَذَا فَنٌّ دَقِيقٌ مِنَ الْعِلْمِ لَمْ يَتَفَطَّنْ لَهُ إِلَّا مَالِكٌ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ وَجَبَ صِدْقُهُ، فَلَعَلَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْقَسَامَةِ مَعَهُ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا: كَيْفَ يُقْبَلُ قوله في الدم وهؤلاء لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دِرْهَمٍ. مَسْأَلَةٌ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحُكْمِ بِالْقَسَامَةِ، فَرُوِيَ عَنْ سَالِمٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ «١» التَّوَقُّفُ فِي الْحُكْمِ بِهَا. وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ، لِأَنَّهُ أَتَى بِحَدِيثِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ بِهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَبْدَأُ فِيهَا الْمُدَّعُونَ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ حَلَفُوا اسْتَحَقُّوا، وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِءُوا. هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ حُوَيِّصَةَ ومحيصة، خرجه الأئمة مالك وغيره. وذهبت
(١). في نسخة: (الحكم بن عتيبة).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute